الأربعاء، 5 فبراير 2014

معضلة العقل السلفي!



معضلة العقل السلفي!



معضلة العقل السلفي!

(طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ) من موعظة السيد المسيح على جبل الزيتون؛
  مِن أخطر الأمراض التي أصيب بها (العقل السلفي): داء الاختلاف أوْ المخالفة، ذلك الداء الذي استفحل وتفشَّى بشكل مستطير، فضمَّ في دائرته البغيضة الفكر والعقيدة والتصور والرأي والذوق، والتصرف والسلوك، والخلق والنمط الحياتي، وطرائق التعامل وأساليب الكلام، والآمال والأهداف والغايات، حتى خيّم شبحه الأسود على نفوس الناس، فتلبد الجو بأوهام أمطرت وابلها على القلوب المجدبة، فأنبتت لفيفاً من الأقوام المتصارعة المتدابرة المتناحرة، وكأنَّ كل ما لدى هذه الأمة من أوامر ونواهي وتعاليم يحثها على الاختلاف، ويرغبها بالتدابر والتناحر!
والأمر عكس ذلك تماماً، فإنَّ كتاب الله، وسنَّة رسولهe ما حرصا على شيء –بعد التوحيد- حرصهما على تأكيد وحدة الأمة، ونبذ الاختلاف بين أبنائها، ومعالجة كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقة بين المسلمين. ولعلَّ مبادئ الإسلام ما ندَّدتْ بشيء –بعد الإشراك- تنديدها باختلاف الأمة وتنازعها، وما حضّتْ على أمر –بعد الإيمان بالله- حضّها على الوحدة والائتلاف بين المسلمين. وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتها إلى وحدة الصف، وائتلاف القلوب، وتضافر الجهود، وتساند المساعي.
ولقد قصَّ الله -سبحانه- علينا تاريخ أهل الأديان السابقة للعبرة والحذر، فبيّن كيفية نهوض الأمم، وبناء الحضارات، فجلَّى لنا أسباب التدهور والانحطاط، وحذرنا من السقوط في علة التفرق، وداء الخلاف، والتحزب الضيق، فقال سبحانه وتعالى وقال ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم : الآية 31 - 32]. وعدَّ الخلاف الذي يؤدي إلى الافتراق والتفرق ابتعاداً عن هدي النبوة، ونفياً للانتساب للنبيّ فقال جلّ شأنه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام : الآية 159].
 وإنَّ الاختلاف والبغي وتفريق الدِّين من علل أهل الكتاب التي كانت سبباً في هلاكهم ونسخ أديانهم، وبقاء قصصهم للدرس والعبرة، لمن ورثوا الكتاب والنبوة، فكان هلاكهم لأنهم استخدموا ذلك العلم، وتلك المعرفة للبغي بينهم، فقال سبحانه: "وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلاَّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم" (آل عمران 19). فهل ورثنا عِلل أهل الكتاب بدل أن نرث الكتاب؟!
*   *   *
  ماذا حدث للأمة؟ ومَن الذي مزَّق وحدتها، وفرَّق شملها، حتى صارت إلى ما صارت إليه؟! مَن هؤلاء الطغام الذين حوَّلوا الأمة إلى ساحة من التحزب الفكري، والتناحر المذهبي، الذي جعل الأمة في تناحرٍ دائم، وعِراكٍ محتدِم، وصراعٍ لا يهدأ أبداً؟!
  مَن وراء هذا الاختلاف الأهوج، والهوى الغالب الذي تطور وتضخم، وتعمقتْ أخاديده في القلوب، وتملَّكَ على الناس حواسهم وعقولهم، فنسوا المعاني الجامعة والكليات العامة، والغايات والمقاصد العليا للإسلام، ونسوا أبجديات الخلق الإسلامي؛ فاضطربت الموازين واختلَّتْ الرؤية، واختلطت الأوراق، وسهل القول بغير علم، والفتوى بغير نور، والعمل بغير دليل؛ فانتشر التفسيق والتكفير. وسقط ذلك (المريض) في هاوية التعصب الأعمى، وأظلمتْ الدنيا من حوله، فلا يكاد يرى إلاَّ سواداً وظلمة كالحة، انعكاساً لنفسيته المظلمة التي انطفأ فيها نور العلم، وخبتْ منها جذوة التعقّل ]وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ[!
*   *   *
     لقد أوذِيَ الإسلام في سيره وسمعته، وفي قضايا أوطانه وأمته، بوحي من التعصب الأعمى، والمذهبيات المصطنعة، والطائفيات المفتعلة، التي تقطر سماً على الإسلام وأهله!  
  وإذا استمر هذا العوج النفسي، والانحراف الخُلُقي؛ فلا تنتظر إلاَّ مزيداً من التراجع الحضاري، ومزيداً من الضمور الثقافي، والجدب العقلي، والشلل الفكري!
  إنَّ مَنْ يطّلع على تاريخ الأمة؛ يكاد لا يصدّق أنَّ هذا الخلف الطالح من ذاك السلف الصالح!
 ومَنْ يطّلع على تراث الأمة؛ لا يصدّق أنَّ هذا الخلف الجامد المتحجّر من ذاك السلف الحيّ المستنير! والغرب يعلم ذلك جيداً، فاهتبل هذه الفرصة! واستخدمهم سلاحاً لمحاربتنا، ومعاول هدم لاستنزافنا ... ففريق ينتسبون إلى السلفية، وفريق ينتسبون إلى أهل الحديث، وفريق إلى المذهبية، وآخرون يدعون اللامذهبية، وبين هؤلاء وأولئك تتبادل الاتهامات المختلفة من التكفير والتفسيق والعمالة والتجسس، ونحو ذلك، مما لا يليق بمسلم أن ينسب أخاه إليه بحال، فضلاً عن أن يعلنه على المنابر، وعلى الفضائيات .. غافلين أوْ متغافلين أن ما يتعرض له الإسلام من محاولات استئصال أخطر على الأمة من تلك الاختلافات!
   وإذا كان للأئمة المجتهدين أسباب اختلاف تبرر اختلافهم، فإنَّ المعاصرين لا يملكون سبباً واحداً من أسباب الخلاف المعقولة، فهم ليسوا مجتهدين، لأنهم مقلّدون، بمن فيهم أولئك الذين يرفعون أصواتهم عالية بنبذ التقليد ونفيه عن أنفسهم، وأنهم يأخذون الأحكام من الكتاب والسنَّة مباشرة دون تقليد، وهم في الحقيقة يعكفون على بعض كتب الحديث، فيقلدون أصحابها في كل ما يقولون في الحديث ودرجته ورجاله، ويتابعونهم في كل ما يستنبطونه من تلك الكتب أو ينقلونه من الفقهاء! وكثير منهم ينسب لنفسه العلم بالرجال، ومعرفة مراتب الجرح والتعديل وتاريخ الرجال، وهو في ذلك لا يعدو أن يكون قد درس كتاباً من كتب القوم في هذا الموضوع أو ذاك، فأباح لنفسه أن يعتلي منبر الاجتهاد، وحقّ له أن يتعالى على العباد، وحريّ بمن نال نصيباً من العلم أن ينهاه علمه أن يكون من الجاهلين، وأن يترفع عن توزيع الألقاب، واتهام الناس!
*   *   *
  أمَا آنَ لأبواق السلفية أنْ تتوقف عن الردح، والتخوين، والتفسيق، والتكفير؟
  أمَا آنَ لعلوج السلفية أنْ يفيقوا من غفلتهم، ويبصروا الفخ الذي وقعوا في شِراكه؟
أمَا آنَ لهم أنْ يعلموا أنهم خدموا أعداء الاسلام مجاناً، وقدموا أمتهم جثة هامدة لخصومها؟!
 أليس عجباً أنْ يظلوا صرعى أحقاد قديمة، وأفكار بالية، وأحكام جائرة، يطلقها الهواة والحمقى، لا يضبطها عقل، ولا يزنها ضمير؟!
ألاَ يظنُّ أولئك أنهم مبعوثون ليومٍ عظيم؟! 
هذا بلاغٌ لكم والبعثُ موعدنا  وعند ذي العرشِ يدري الناسُ ما الخبرُ!
j


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
;