الخميس، 3 مارس 2011

«ما حقيقة ما يجري؟..سؤال له تاريخ»




«ما حقيقة ما يجري؟..سؤال له تاريخ»
تمر الأمة العربية والإسلامية الآن بمرحلة من أخطر مراحل تاريخها، إن لم تكن أخطرها فعلاً.. وتتساءل الأمة – أفراداً وجماعات - ليلاً ونهاراً  سؤال واحد هو:ما حقيقة ما يجري ؟
وفي محاولتنا للإجابة على هذا السؤال يدور حديثنا في هذا المقال ، ولنبدأ أولا بتحديد السبب الحقيقي المباشر في حملة الصليبيين الجدد على العراق من قبل..ثم على ليبيا، والآن على سوريا، ومن ثم على مصر ومن بعدها على المنطقة كلها؟
إن نقطة البدء في فهم الحرب الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي مهمة جداً لأننا إن لم ننطلق من هذه النقطة فربما نضيع أو نحتار، وهناك تعليلات كثيرة عن السبب الحقيقي وراء هذه الهجمات على الأمة العربية والإسلامية.. فيرى بعض المحللين السياسيين أنها قضية ثروات ( نفط + مياه ) أي أن المشكلة مدرجة ضمن إطار العولمة الاقتصادية .. ويعللها بعضهم بأن الدافع هو تحقيق مشروع تفتيت المنطقة إلى دويلات وإخضاعها للسيطرة الأمريكية.. ويعللها بعض آخر بأن الهدف هو الانتقام من العرب والمسلمين بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر .. ويعللها البعض الآخير من هؤلاء المحللين السياسيين بإن الهدف هو أن الإمبراطورية الأمريكية تريد التفرد بالهيمنة بين القوى المنافسة.
بدون إطالة نقول إن هذه التعليلات تحوم حول الحقيقة لكنها لا تطابقها بشكل مباشر، أما الحقيقة التي بلغت لدينا مرتبة اليقين فهي أن الهدف الثابت المباشر الذي لا يتغير والذي يفسر كل المواقف والمشروعات هو: المحافظة على أمن إسرائيل ، ورفاهيتها، وتفوقها في القوة على كل دول المنطقة.
ولا يمكن أن نجد طريقا لتفسير التقلب - وربما التناقض - في السياسة الأمريكية والأوروبية – أيضا - تجاه العالم الإسلامي، إلا بأن نربط ذلك بوضع إسرائيل وبأهدافها المرحلية، ثم تأتي الأهداف الأخرى تبعاً أو ضمناً، وهي تتغير في حقيقتها وفي مسائلها بحسب هدا الهدف الثابت.. وبذلك أيضاً يمكن أن نفسر التباين في منهج السياسة الأمريكية بين تعاملها مع العالم الإسلامي وتعاملها مع غيره.
إذن القاعدة في هذا:هي أنه حيثما تكون إسرائيل تكون أمريكا بغض النظر عن المصالح المادية وغيرها، وكلما كان الوضع في إسرائيل مريحا - بالتفوق العسكري والتقدم الاقتصادي والاستقرار السياسي - كان منهج السياسة الأمريكية مع العرب أقرب إلى المنطق والنفعية، والاهتمام بالمصالح القومية للأمريكان، وفتور الحملات الإعلامية على العرب والعكس بالعكس..!!
إن الولايات المتحدة الأمريكية في ذاتها فلا يوجد لديها أي مشكلة في المنطقة العربية لا شيء من مصالحها يتعرض للأذى من قبل الحكومات العربية، ولا شيء من مطالبها يقابل بالرد، ولا مشكلة بينها وبين أي دولة من دول المنطقة لو كان الأمر يتعلق بها وحدها..بل إن المشكلات الكبرى والعواقب الوخيمة على مصالحها وعلاقاتها إنما تأتي أو تكبر بعد تدخلها وعدوانها المرتقب على المنطقة!!
فمثلا مشروع التقسيم والاحتلال المباشر لمنابع النفط لا يضمن لها تدفق النفط بل قد يمنع تدفقه المضمون حاليا، وكل الدراسات الإستراتيجية الأمريكية في هذا الخصوص تنبه إلى أن هذا العمل قد يقود إلى نتائج بالغة الخطورة .
فعلى سبيل المثال تتعرض حقول النفط وأنابيبه وموانئه لهجمات إرهابية لا يمكن مقاومتها، فالمنطقة النفطية تمتد من جنوب الربع الخالي إلى شمال العراق،ناهيك عن شمال إفريقيا وأكثر المنشآت النفطية مكشوفة مما يجعلها أهدافا سهلة للإرهابيين، والإرهابيون حينئذ لن يكونوا تنظيما معنيا بل إن الشعب كله سيقاوم العدو المحتل بأي وسيلة، بما في ذلك العمال والحراس أنفسهم، وأقل ما يمكن تصوره حدوث عصيان مدني مستمر أو فوضى لا يمكن معها استمرار إنتاج النفط وشحنه. وما حدث أخيرا في فنـزويلا ليس إلا نموذجا مبسطا لما قد يقع في هذه المنطقة الملتهبة بطبيعتها.
هذا ما توصلت له مراكزهم البحثية، ولدينا الآن تجربة قائمة في هذا وهي ما يحدث في أفغانستان التي قيل إن سبب احتلالها هو النفط أيضا..فالاحتلال - من شركات النفط وغيرها أن استغلال نفط بحر قزوين، وإنشاء إمداداته على الأرض الأفغانية، كان ممكنا بالاتفاق مع حكومة طالبان نظراً لسيطرتها الأمنية، لكنه الآن شبه المحال مع الاحتلال الأمريكي، حيث لا يستطيع الأمريكيون التنفس خارج قواعدهم المحاطة بالأسوار المتوالية.
إن الاحتلال لا يضمن النفط، والنفط لا يعلل لهذه الحرب الهائلة الآثار سياسياً وعسكرياً واقتصاديا...!!.. ناهيك عن إن إيجاد بؤر كثيرة للإرهاب والفوضى ضمن التركيبة المعقدة للمنطقة - جغرافيا وبشريا ودينياً ومذهبياً- مما يجعل تغيير الأوضاع القائمة والانتقال إلى هذا الوضع مغامرة بلا فائدة، بل هو حماقة كبرى إذا علمنا أن الحكومات القائمة تتسابق في إرضاء أمريكا، وتتنافس في تنفيذ مطالبها - ولا نعني حكومات الخليج فقط - بل إن صدام حسين – رحمه الله - كان مستعداً أن يعطيها ثروات العراق على طبق من ذهب لكي ترضى عنه!!
إذن لماذا يقتل الأمريكان الدجاجة، وبيضها من الذهب يأتيهم يومياً؟.. ولماذا الاحتلال والتقسيم لدول قابلة للتطويع؟..ومن الطرف المستفيد منه إن حدث؟
الجواب قطعا هو أن ذلك يأتي من أجل ضمان أمن إسرائيل ورفاهيتها وقوتها، وهي المستفيد الوحيد من أي احتمال. ولإيضاح ذلك أكثر نفترض أن هذه المنطقة خالية من كل ثروة – النفط وغيره –  ولا أهمية لها استراتيجيا، لكن شعوبها تكره إسرائيل، وتتعاطف مع القضية الفلسطينيية، وتضغط على الحكومات لتأييدها، وتطالب الولايات المتحدة الأمريكية بالعدل، أكانت أمريكا تتركها أم تعاقبها؟
ثم نعكس القضية ونفرض أن المنطقة قبلت المشروع الصهيوني وأن الفلسطينيين لم يقفوا ضد الانتهاكات الإسرائلية فهل كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستفكر في احتلالها ؟
إذا أردنا مزيد من الإيضاح فلنقارن بين تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع كوريا الشمالية وبين تعاملها مع العراق..فكوريا تعترف بأسلحة الدمار الشامل، وقلعت عيون الأمم المتحدة وآذانها. بل هددت كوريا الولايات المتحدة الأمريكية تهديداً صريحاً مباشراً، ومع ذلك فالولايات المتحدة لم تتجاوز الطرق الدبلوماسية لحل المشكلة، في الوقت الذي حشدت فيه مئات الطائرات، وبنت القواعد الكبرى في قطر، واستنفرت العالم لمعاقبة العراق الذي تجاوب مع أغلظ القرارات، والذي لم يثبت حتى الآن أنه يملك ما يدّعون لا باعترافه ولا بتفتيشهم..ورغم ذلك تم غزو العراق واحتلاله !!
إن حلّ هذه المعادلة يوصل إلى مفتاح أسرار الصراع: كوريا تعلن تهديدا مباشرا صريحا لأمريكا لكنها لا تهدد إسرائيل !.. العراق لا يهدد أمريكا لكن نبوءات التوراة تشير إلى أنه يهدد إسرائيل!..أمريكا تغزو العراق وتلاطف كوريا بالدبلوماسية!..لم تعد السياسة الأمريكية قائمة على جدلية الصقور والحمائم. بل على جدلية الثعالب: الصهاينة ، والوحوش: لوبي صناعة السلاح.
ومن الواضح أن زمام المبادرة والقرار في يد الفريق الأول، مع أن الشعور القومي يقف مع الفريق الآخر. فليس هناك فرصة لتنفيق السلاح من جهة وإثارة النعرة القومية وغريزة الهيمنة والاستعلاء من جهة أخرى – أفضل من إعلان دولة شيوعية تهديدا مباشرا للإمبراطورية العمياء.
فلماذا تأخر هؤلاء وتقدم أولئك؟ ..ولماذا تعاقب الإمبراطورية إحدى الدولتين مرتين وتداري الأخرى وهما شقيقتان في محور الشر ؟!..ولماذا يرضى الوحوش بفتات فريسة قديمة يقف الرأي العام العالمي معها والفريسة الأخرى المنبوذة تستعرض أمامهم؟!
إن هذا كله يوضح أن منطق الحرب هو – بالأساس – ديني توراتي وليس نفعيا استراتيجيا . أي أنه يبرهن على أن قاعدة "فتّش أولا عن إسرائيل " صحيحة.
وهذا مثال حي واحد من أمثلة كثيرة للمنهج الأمريكي الذي عبر عنه أحد مندوبي الإتحاد الأوربي في الأمم المتحدة حيث يقول: " الواقع أن إسرائيل هي العضو الدائم السادس في مجلس الأمن فالفيتو الأمريكي يستخدم لصالحها أكثر من أي شيء آخر " وكلامه مطابق للحقيقة. والمفكر اليهودي الشهير " نعوم تشومسكي" يؤكد ذلك، ويكثر من الاستشهاد به في مقابلاته.
بل الملاحظ أن أي مشكلة للولايات المتحدة الأمريكية مع الإتحاد الأوربي، أو روسيا، أو الصين، يمكن التفاهم فيها بالدبلوماسية الهادئة، إلا إذا كان الأمر له علاقة بإسرائيل، مثل قضية هجرة اليهود إليها، أو بيع السلاح لها، فهنا تختفي لغة الحوار، ويظهر التشدد الأمريكي لتحقيق ما تريده إسرائيل من هذه الدول.
وكم مرة وقفت إسرائيل في مواجهة العالم فوقفت الولايات المتحدة الأمريكية معها ولم تبال بالعالم كله ؟!
فإذا كان هذا منهج الولايات المتحدة الأمريكية مع الأصدقاء أو غير الأعداء، به فما بالك به معنا نحن الأعداء؟ أغنياءً كنا أم فقراء! عندنا نفط أو ليس عندنا شيء؟.
والسؤال هو لماذا تضحي الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المليارات؟ وفي أي شيء تنفقها إسرائيل ؟.. والجواب بلا ريب أن هناك ماهو أعظم من العلاقة المصلحية والتعامل النفعي ؟
وذلك هو النوع الخاص من العلاقة الذي عبّر عن الإيمان به سبعة رؤساء أمريكيين في جملة واحدة دينية: "من يبارك إسرائيل يباركه الله ومن يلعن إسرائيل يلعنه الله" ثم جاء ثامنهم جورج بوش الأبن وأعلنها حرباً صليبية.
وقد جاهر المؤتمر العام للإتحاد الأوربي وقتها بانتقاده الشديد لاستخدام الرئيس الأمريكي للشعارات الدينية، وقال بعضهم إنه يعيد الناس إلى ذكريات حرب المائة عام في أوربا.
والشواهد كثير لا تُحصر والمقصود أنه إذا اتضحت حقيقة العلاقة الدينية الحميمة بين أمريكا وإسرائيل، واتضحت كذلك العلاقة العميقة بين المشروعين الصهيوني والصليبي وبلوغها درجة التطابق.. وحين أعلن بعض منظري الغزو الغربي على العراق أن بغداد ما هي إلا بداية الطريق إلى القدس، فإنهم لا لم يعلمونا شيئا جديدا. أو قل هكذا يجب أن يكون.
إن أحدى مشكلات منهج التفكير الإسلامي المعاصر أن الأمة تفتقد إلى النظرة الشاملة والربط بين الأحداث. وإلاّ يكنْ ذلك يظل أعداؤها يقذفون بأنظارها ومشاعرها كما يقذف اللاعبون بالكرة. فإذا توجهت إلى قضية نسيت الأخرى، وإذا وضعت يدها على شيء ألقت ما عداه، وإذا عرض أمامها مشهد غفلت عن غيره.
كما أن من عيوب الأمة في أجيالها المتأخرة، أنها تضيع كنوزها التي من الله بها عليها وهو القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فليس النفط الكنـز الوحيد المضيع، فأهم منه وأغلى إرادة الحياة الإيمانية، وحب الشهادة، والثبات على الحق، وهي كنوز جمعها الله لنا في الآونة في تحرير كل مكان من أرض الإسلام من براثن الصليبيين الجدد، وبالطبع على رأس أولويات التحرير هو القدس وكل أرض فلسطين.
للأسف الشديد بعد أن كانت الحركات الدعوية والجهادية تلوم الشعوب على غفلتها، وتخطط وتجتهد لإيقاظها. نجدها اليوم - أي الشعوب - هي التي تلوم التيارات الإسلامية التي تولت الحكم في مصر وتونس وتعدها مقصرة في الواجب..ألم يصدعوا أدمغة الشعوب الإسلامية بأن:"الموت في سبيل الله أسمى أمانينهم"..و" خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود "..و"إلى فلسطين بالملايين"..وما إلى ذلك من شعرات جوفاء..نراهم عندما تولوا الحكم عقدوا الهدن ووعدوا بأمن الدولة اليهودية وكانوا ضامنين لذلك، وتمنوا للشعب اليهودي كل الخير والرفاهية وهذا ما كانت تأمل به أمريكا واليهود وأكثر.. وهو ما يمكن أن نسميه عمليه إنبطاح استباقي لنيل رضاء الأمريكان لإبقائهم في سدة الحكم. لأنهم يعلمون جيدا ومقتنعون باستحالة وصولهم للحكم ولا بقائهم فيه فيه إلا عن طريق ايجاد الأرضية المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة العصا الغليظة فى المنطقة والآمرة الناهية فى شئون أمتنا العربية.
إن أعظم ما في القضية الفلسطينية في هذه الآونة أنها كشفت القناع عن وجوه الكذب لدى بعض التيارات الإسلام السياسي ناهيك عن كشف خبث الأعداء من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين والعلمانيين، وكل أنواع الخبَث في الأمة، فلو أنفق المخلصون في الأمة المليارات، وألقى دعاتهم آلاف الخطب من أجل إبانة سبيل المنافقين وكشف عداوة أهل الكتاب والمشركين، وفضح خبايا المنافقين، لما حققت مثلما حققه التعامل مع ملف القضية الفلسطينية عندما تولي تيار الإسلام السياسي مقاليد الحكم.
إن فهمنا لهذه المخططات فجر جديد يراه أهل البصيرة زاحفا على ليل المعاناة الطويل، أما الذين استمرأوا الذل فإن على أبصارهم غشاوة كتلك الغشاوة التي كانت على أبصار سلفهم الذين كانوا يظنون أن الإمبراطورية البريطانية خالدة إلى الأبد. ومن قبلهم لم يصدق زعماء الكفر الجاهلي ما تنبأ به "هرقل" نفسه، بل قال قائلهم: "لقد أَمِـرَ أمْرُ محمد حتى أنه ليخافه ملك بني الأصفر".

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
;