(المَسِيح)
يُبَشِّر بـ(المسّيَّا)
منذ ما يزيد على ألفيْ عام، قام
السيّد المسيح (ع) فأعلن نبَأً عَظِيماً، وألقى
بياناً خالداً، وأذَّنَ أذاناً سمعه من كان معه من بني إسرائيل، فحفظوه، وأوصوا به
أتباعهم، وقد ظلَّ هذا الأذان شاهداً وباقياً في الأناجيل التي بأيدي المسيحيين
إلى يومنا هذا ... تصديقاً للقرآن الكريم ..]الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ[
[الأعراف :157]. وتصديقاً لمقولة المسيح "ما من
مستورٍ إلاَّ سينكشِف ولا من مكتوم إلاَّ سيُعلَم" (متى 10: 26).
نعم؛ لقد
أذَّنَ المسيح (ع) أذاناً مدوياً، مُخبِراً عن ]النَّبَأِ العَظِيمِ[ الذي سيطرق العالم
ويزلزله من أقصاه إلى أقصاه، فبشَّر الناس بقُرب قدوم أخيه في النبوّة، وأَوْلَى
الناس به في الدنيا والآخرة، ووصفه بأوصاف عديدة يصدّق بعضها بعضاً، ونعته بألقاب
كثيرة، منها: أنه (المعزِّي) وأنه (المُعِين) وأنه (المسيّا) المنتظر، وأنه (أركون
العالم) وأنه (روح الحق) وأنه (البارقليط) الذي لا يتكلم من نفسه؛ إنما يتكلم بما
يقوله له الربّ، وأنه يخبر الناس بكل ما أعدَّ الله لهم، ويسوسهم بالحق، ويخبرهم
بالغيوب، ويجيئهم بالتأويل، ويُوبِّخ العالَم على الخطيئة، ويخلِّصهم من يد
الشيطان، وتستمر شريعته وسلطانه إلى آخر الدهر، وقد صرَّح المسيح (ع) في أذانه
باسمه ونعتِهِ وسيرتهِ حتى كأنهم ينظرون إليه عياناً ثم قال: "من كان له
أُذنان فليسمع". ورغَّبهم في الـ(مبارك الآتي باسم الله) لأنه هو الذي سيعرف
قدره ومكانته، وسيمجّده، وسينفي عنه ما ينسِِبونه إليه، وما يُنسَب إلى أُمه الطاهرة
البتول من النقص والعيب والإفك والبهتان .. فسلامٌ عليه من ناصِحٍ أمين، ونبيٍّ
كريم!
* * *
جدير بالذِّكر؛ أنني سأكتفي –في هذه المقام- بما
ورد في بشارة أوْ (إنجيل يوحنا) فقط؛ وهو الانجيل الرابع، والأقل أهمية
بالنسبة للأناجيل الأخرى!
البشارة الأولى: لمَّا
ابتدأ يوحنا المعمدان (يحيى) يعمِّد الناس في نهر الأردن، وكان ذلك في زمن المسيح
عليه السلام، تصدَّى له أحبار اليهود، وسألوه سؤالاً كما جاء في الإصحاح الأول:
(هل أنت المسيح؟ هل أنت النبيّ؟ وعندما أجابهم بالنفي قالوا: إذا لم
تكن المسيح ولا ذلك النبيّ المنتظَر، إذاً فلماذا تُعمِّد؟). نستطيع أن نستنتج مِن
هذه البشارة أن هناك نبياً بشّرتْ به كتبهم، حيث إنَّ السؤال كان في عهد السيد
المسيح، فمَنْ ذلك النبيّ الذي سأل عنه الأحبار والكهنة بقولهم: أأنتَ النبيّ؟
فاليهود منذ زمن موسى إلى زمن مجيء المسيح كان يتداول بينهم –نقلاً عن آبائهم
وأجدادهم– أنَّ الله يرسل نبيّاً عظيم القدر، وهم في انتظاره. وحيث جاء المسيح،
فلمْ يبقَ إلاَّ "النبيّ" الذي ينتظرونه، وقد ورد في هذا النص بعد
المسيح فتعيَّن أن هذا النبيُّ هو (مُحمّد) لأنه قد جاء بعد المسيح مباشرة.
وهذه البشارة تُفنِّد ادعاء اليهود أن بشارة
موسى عن نبيّ يقيمه الله لهم (سِفْر التثنية 18) دالَّة على يوشع بن نون، لأنه لو
كان المقصود لما ظلَّ اليهود إلى زمن المسيح يسألون عن ذلك النبيّ! وتفنِّد
–أيضاً– ادعاء النصارى بأنَّ بشارة موسى السابقة تشير إلى المسيح، لأن علماء
اليهود قالوا ليوحنا: (إنْ كنتَ لستَ المسيح ولا النبيّ) وهذا يدلّ على أن هذا
النبيّ غير المسيح.
البشارة الثانية: قال يوحنا في الإصحاح
الخامس عشر من إنجيله؛ إن المسيح قال: (إن الفارقليط الذي يرسله أبي باسمي يعلّمكم
كل شيء) وقال –أيضاً– في الإصحاح السادس عشر: (إن الفارقليط لنْ يجيئكم ما لمْ
أذهب، فإذا جاء وبَّخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئاً، لكنه
يسوسكم بالحق كله، ويخبركم بالحوادث والغيوب). وقال –أيضاً–: (إني سائل أبي أن
يرسل إليكم فارقليطاً آخر يكون معكم إلى الأبد).
هذه البشارة لا تحتاج إلى شرح أوْ تفسير، حيث
إنَّ المسيح أعلن أمام الجموع أن هناك مُرسَلاً آخر قادم بعده، ولديه من الصلاحيات
ما ليس لغيره .. فهو لا يتكلم من تلقاء نفسه، وأنه يُخبِر بالحوادث والغيوب،
وشريعته خاتمة الشرائع، تمكث إلى يوم الدين، وغير قابلة للنسخ كالشرائع السابقة
عليها. و(لا يتكلّم من تلقاء نفسه) مطابقة تماماً لما جاء في بشارة سِفْر التثنية
(وأجعلُ كلامي في فمه، فيكلّم الناس بكل ما أُوصيه به). وأن هذا النبيّ المنتظَر
يُبكِّت العالَم على خطيئة الشرك وعبادة الأوثان والنيران والصلبان. وأنه (روح
الحق) لأنه يأتي بكل الحق. وهذا لا يكون ملَكَاً
لا يراه أحد، ولا يكون هُدىً وعِلْماً في قلب بعض الناس! إنما يكون بشراً رسولاً،
بلْ يكون أعظم من المسيح، فإنَّ المسيح أخبر أنه يقدِر على ما لا يقدِر عليه
المسيح ويعلم ما لا يعلمه المسيح، ويُخبِر بكل ما يأتي وبما يستحقّه الربّ، وهذا
لم يتوفر في أحد إلاَّ في (مُحمّـد) رسول الله.
وكلمة (الفارقليط) أوْ
(البارقليط)paracletes لفظة يونانية يجتمع من معانيها في القواميس المعزِّي، والناصر، والمنذِر، والداعي. وتعني (أحمـد) كما ذكرت طبعة الآباء اليسوعيين القديمة سنة 1969 للكتاب المقدس! ويؤكد ذلك الأنبا أثناسيوس- بقوله: "إنَّ
لفظ "باراقليط" معناه الحمد أوْ الشكر وهو يساوي لفظ "أحمـد".
البشارة الثالثة: قال يوحنا في الإصحاح السادس عشر، مخبراً أن المسيح قال: (إن أموراً
كثيرة أيضاً أُريد أن أقولها لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأمَّا متى جاء ذاك روح الحق فهو سيرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلّم من نفسه، بلْ كل ما يسمع يتكلّم به، ويخبركم بأُمورٍ آتية، ذاك يمجّدني).
وهذه البشارة ترجمة لقوله: ]وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى. إِنْ
هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى[[النجم:3-4]. فالمسيح يكشف لقومه بأن لديه أموراً
كثيرة تفوق طاقة احتمالهم، وأنه سيأتي الوقت المناسب لمجيء الرسول الذي يعنيه
بالروح الحق. فتكون العقول قد تفتّحت، والقلوب قد
رقّت، والنفوس قد تهذّبت، والناس قد استعدت
للفهم واتسعت مداركهم، لاحتمال كل ما يُلقى
إليهم على لسان هذا النبيّ الذي لا يتكلّم من نفسه.
أيضاً؛ من أوصاف هذا النبيّ الخاتم –كما أخبر
عنه أخوه المسيح: (ذاك يمجِّدني) فمن صفات هذا الرسول أنه يُمجِّد المسيح. ولمْ
يأتِ أحد بعد المسيح يمنحه من التكريم والثناء ما يستحقه، ويرفع عنه وعن أُمّه
افتراءات اليهود، ويضعه في المنزلة التي وضعه الله فيها – وهي العبودية والرسالة-
سوى أخيه مُحمّد. ومن صفات هذا الرسول أنه سيرشِد الخلق إلى أمور وحقائق غيبية،
وذلك في قوله: (ويُخبركم بأمورٍ آتية).
البشارة الرابعة: ذكر يوحنا
أيضاً في إنجيله أن (خاتَم النبوّة) من علامات هذا النبيّ المنتظر: (لا تسعوا وراء
الطعام الفاني بلْ وراء الطعام الباقي إلى الحياة الأبدية، والذي يعطيكم إياه ابن
الإنسان، لأن هذا قد وضع الله ختمه عليه" (يوحنا 6: 27).
وهذا متطابق تماماً مع ما ذكره "إشعيا" عن إحدى صفات النبيّ
المنتظَر فقال: "لأَنَّهُ يُولَدُ وَلَدٌ [تعبير يذكر في
العهد القديم لنبيّ آخر الزمان] َتَكُونُ
الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ"
(إشعيا 9: 6).
البشارة الخامسة: بشَّر يوحنا (1: 15) بالمِسّيّا الرئيس (إمام المرسلين)
-الذي أخبر عنه دانيال في (الإصحاح: 9)- الذي به تتم النعمة، وبه تُختَم النبوات،
وهذه البشارة تطابق -أيضاً- ما ورد في أناجيل أخرى؛ ففي الحوار الذي سجّله برنابا
(الإصحاح: 96) بين الكاهن وبين المسيح أمام الجماهير "قال الكاهن: إنه مكتوب
في كتاب موسى أن إلهنا سيرسل لنا مسّيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله.
وسيأتي للعالم برحمة الله. لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق: هل أنت مسّيّا
الذي ننتظره؟ أجاب يسوع: حقاً إنّ الله وعد هكذا ولكنّي لستُ هو لأنه خُلِقَ قبلي
وسيأتي بعدي". وفي رواية إنجيل يوحنا "أجاب الكاهن: إننا نعتقد من كلامك
وآياتك على كل حال أنك نبيّ وقدوس الله. لذلك أرجوك أن تفيدنا بأيّة كيفية سيأتي مسّيّا؟
أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إنّي لستُ مسّيّا الذي تنتظره
كل الشعوب".
وقد تعمّدوا في الطبعات الحديثة حذف كلمة (مسيّا
Almsya) واستبدالها بكلمة (مسيحJesus)!
أخيـــــــراً؛ أكتفي
بهذا القدر من بشارات الإنجيل الشريف عن نبيّ آخر الزمان؛ حسبنا أننا أوردنا
أكثرها وأهمها في كتابنا (مُحمَّد مشتهَى الأمم)!
بقلم/ م.ع. القُوصِـي؛
j
0 التعليقات:
إرسال تعليق