مسلم ومسيحي كلنا أيد واحدة بنحب مصر
يقول الحق سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ). و يقول
يسوع المسيح في إنجيل متى: " سمعتم أنه قيل عين بعين ، وسن بسن ، وأما أنا
فأقول لكم : لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الأخر أيضا ، ومن
أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا.."
بعيداً عن النبرة
التعبوية التحريضية التي تعالت في الآونة الأخيرة في الأوساط المختلفة في مصر
والتي تزرع الفتنة الطائفية وتزكي نيرانها انطلاقاً من دوافع عاطفية بريئة حينا،
ومن أطماع شخصية مغرضة حيناً ثانياً ، ومن تدخلات خارجية أجنبية خبيثة في أحيان
كثيرة. وبعيدا كذلك عن أسلوب الطبطبة ، ودفن الرأس في الرمال الذي بات القاعدة
التي ما تفتأ الحكومات المصرية المختلفة تتبعها كلما وقعت جريمة من جرائم الفتنة
الطائفية في مصر. تعالوا بعيدا عن كل ذلك نغلب صوت العقل وهدوئه على صوت العاطفة
وطيشها. إنه دائما ما يحدث عندما يرتفع صوت الضجيج والصخب الأهوج أن يفقد الإنسان
الهدوء والتركيز العقلي، والاتزان العاطفي فيغفل عن أشياء هي في حكم البديهيات.
لذا أدعوكم الآن إلي أن نرصد بكل حياد وموضوعية أموراً هي من قبيل المسلمات
البديهية لكن تشنجات العاطفة المغرضة جعلت الإشارة إليها في الوقت الراهن ملحة، بل
وشديدة الإلحاح.
ما كان أغنانا عن
التذكير بهذه البديهيات لو كانت الأمور في مصرنا الحبيبة تسير في مسارها الطبيعي ،
ولا تتشعب حسب الهوى والمزاج. إن الوحدة الوطنية المصرية تضرب بجذورها في أعماق
أعماق الشخصية المصرية، وتقوم على ثوابت راسخة في نسيج البنيان المصري. ونحن لا
نقول هذا من وحي الخاطر ، ولا ن فورة العاطفة ، بل انطلاقاً من أدلة عقلية موضوعية
لا يمكن أن يغفلها إلا كل جاحد مغرض. ومن الممكن تصنيف هذه الثوابت إلي أنواع
أربعة:
أولا:
ثوابت دينية عقائدية:
لا شك أن الديانتين
المسيحية والإسلامية في أسسها العقائدية تنبذ التخاصم والكراهية والتعصب الأعمى
للدين أو للرأي، وتدعوان إلي المحبة والإخاء والتسامح . والكل يعرف أن المسيحية في
جوهرها العقائدي بعيدة كل البعد عن التعصب والتطرف. وكلنا يحفظ ويعرف الشعار
المسيحي الخالد " الله محبة " أي أن إيمانك بالله يقوم أول ما يقوم على
حبك لله ، وحبك لأخوتك في الإنسانية ، وأن الحبين لا ينفصلان ، فلا يمكن لأحد
الحبين أن يستقيم بدون الآخر. وكلنا يعلم ولا يحتاج إلي تذكير كذلك بالآية العظيمة
المجسدة لكل ذلك " المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".
إن سياسة تحويل الخد، ووصية يسوع المسيح الخالدة " أحبوا أعداءكم وباركوا
لأعينكم، وأحسنوا إلي مبغضيكم.." تكاد تكون نقطة تفرد تنفرد بها المسيحية دون
الديانات الأخرى. فمن أين يأتي التعصب في ديانة رقيقة كهذه إن لم يكن من النفوس
الضعيفة والعقول المغرضة؟؟! أما الإسلام فكم شدد وأكد على أن الدين المعاملة، وأن
إيمان المرء لا يقاس بكثرة صلاته وصيامه، وإنما في حسن معاملته لغيره من إخوته في
الإنسانية. وشدد القرآن الكريم على قيم التسامح التواد والرحمة من خلال تأكيده على
الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وعند الإساءة على المسلم أن "يدفع بالتي هي
أحسن ". وكلنا يعرف أيضا ولا يحتاج إلي تذكير الآية الكريمة التي تعلي من
مكانة الأقباط، وتجعلهم دون سواهم من أصحاب الديانات الأخرى الأقرب مودة ورحمة إلي
المسلمين. وأشادت بأفئدتهم الرقيقة الحانية التي تفيض بالدمع لما تعلمه من الحق.
وحفلت السنة المطهرة بأحاديث عديدة جعلت للأقباط وأصحاب الديانات السماوية الأخرى
ذمة وعهداً، ومن هنا جاء اللقب الذي ألصق بهم في عصور الإسلام الأولي " أهل
الذمة". لقد جعل الرسول الكريم إيذاء أهل الذمة بأي نوع إيذاءً في المقام
الأول لرسول الله نفسه. بل وشدد الرسول الخاتم على ضرورة التسامح والإخاء بين
المسلمين والأقباط مؤكداً على أن " من أذي ذمياً فأنا خصمه يوم
القيامة".وجعل لحياة أهل الذمة قدسية وحرمة لا يجوز الاعتداء عليها. فقد روى
عمرو بن العاص عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال " من قتل معاهداً لم يرح رائحة
الجنة." وحفلت السيرة النبوية الشريفة ، وكذلك العصور الإسلامية المختلفة
بسيل جارف من المواقف التي انتصر فيها المسلمون وذوي السلطان لأصحاب الديانات
الأخرى على حساب المسلمين أنفسهم. وكان العهد الذي أعطاه عمر بن الخطاب لرجال
الدين النصارى عند تسليم بين المقدس دستوراً للتسامح الديني والإخاء.
ثانيا:
الثوابت المجتمعية التعايشية:
يتعايش الأقباط مع
المسلمين في مصرنا الحبيبة منذ دخول الإسلام في وحدة وانسجام مجتمعي وحياتي لا
يمكن أن تنفصم عراه أبدا. إن هناك تلاحماً مجتمعياً متين البنيان بين عنصري الأمة
في مصر هو نتاج موروث طويل من الحياة والترابط الرحيم بين الطرفين. وأتحدى أي
إنسان يستطيع أن يدخل بناية سكنية ، أو هيئة أو شركة ، أو حتى يسير في الشارع ، أو
يجلس في الأماكن العامة وينجح في التمييز بين قبطي ومسلم من مجرد النظر ، أو حتى
التدقيق. إذ لا يوجد في كل هذه البقاع سوى الإنسان المصري بعاداته وتقاليده
الواحدة المتوارثة منذ آلاف السنين. الجميع في تلاحم مجتمعي جميل أشبه بتلاحم خيوط
القماش الواحد. ففي السكن يتجاور المسلم مع القبطي وتقوم بينهما جيرة وعشرة ربما
تكون أقوي من تلك التي تقوم بين المسلم والمسلم في البناية الواحدة. وفي العمل وفي
المتاجر وفي المؤسسات ، وفي كل مكان يتلاحم القبطي مع المسلم بلا أي نوع من
الحساسية أو التنابز ، بل من المسلمين من يفضل صحبة ومعاشرة جيرانه من الأقباط على
صحبة جيرانه من المسلمين، ويلجأ إليهم في أوقات الشدة حتى قبل أن يلجا ربما إلي
أقاربه من لحمه ودمه. والعكس أيضا من الأقباط من يستعين بمساعدات جيرانه المسلمين
ويفضلهم على الأقباط أنفسهم. ولم نر في يوم من الأيام أحداً من الأقباط قد أحدث
تمييزاً في المعاملة فأثر التعامل من نظائره من الأقباط على حساب التعامل مع
المسلمين، والأمر بالمثل لا ينفر المسلمون من التعاملات اليومية (التجارية
والحياتية) مع الأقباط ويفضل عليهم المسلمين. بل حتى في الأمور الطبية يثق
المسلمون ويذهبون إلي الأطباء الأقباط بلا أدنى شعور بالحرج من تعرية أجسامهم،
وأجسام نسائهم أمام أقباط يخالفونهم في العقيدة. والأمر بالعكس أيضا مع الأقباط في
ذهابهم إلي الأطباء المسلمين.
في الفنون والآداب
والرياضة نتذوق الفن الجميل من موسيقى وغناء وشعر وتمثيل ولعب دون أن نشغل أنفسنا
بالتساؤل عن ديانة هذا الفنان أو هذا اللاعب. وحتى لو عرفنا ديانته فإن هذا لا
يؤثر في حكمنا عليه في شيء. بل حتى رجال الدين الأقباط عندما نقابلهم في المواقف
المختلفة ونسلم عليهم أو نشير إليهم في الحديث نعطيهم لقب "أبونا" تماما
مثلما يسميه الأقباط دون أدني شعور بالغضاضة من ذلك. ونلتزم بذلك في كل إشارة إلي
البابا شنودة الثالث، ومع غيره من آباء الكنيسة. وفي المناسبات الدينية والجنائزية
يتزاور الأقباط والمسلمون ـ ولا اقصد هنا على المستوى الرسمي كما يظهر على الشاشات
كنوع من الدعاية ـ وإنما أقصد على المستوى الشعبي بين فئات الشعب البسيطة . بل
وهناك توجد أعياد مشتركة بيننا وبين الأقباط نمارس فيها نفس الاحتفالات والزيارات.
هل يستطيع أحد أن يميز بين قبطي ومسلم في الحشود
التي تخرج في الاحتفالات التي تتم في الشوارع عقب الانتصارات الكروية المختلفة ؟؟
وفي المناهج الدراسية التي يدرسها الطلاب في الجامعة على سبيل المثال خاصة في قسم
الفلسفة يدرس الطلاب جميعا الفلسفة المسيحية وعلم اللاهوت جنباً إلي جنب مع
الفلسفة الإسلامية دون أن نسمع أو أن نرى اعتراضاً لا من المسلمين ولا من الأقباط.
وأينما أدرت بصرك في فئات المجتمع المصري لن تجد إلا مصرياً يتعايش مع مصري مثله
دون أدنى اعتبار للديانة أو الملة.
ثالثا:
الثوابت التاريخية والوطنية:
يشترك عنصرا الأمة
المصرية في واقعة أنهما يمتلكان تاريخاً وجغرافيا واحدة إن جاز لنا التعبير. كلا
العنصران يمتلكان الأرض المصرية بلا تمييز بين بقعة تخص الأقباط وأخرى تخص
المسلمين. ويمتلك الاثنان تاريخياً واحداً مشتركاً مسطوراً بدماء الشهداء التي
سالت في كل الأحداث التاريخية الكبرى التي شهدتها مصر. ودائما ما كان الاثنان
يتلاحمان في هذه الأحداث المصيرية على مدي تاريخ مصر كله : ابتداءً من الاشتراك
معاً في مقاومة المغول والصليبين ، ومروراً بالثورات التي قامت لمقاومة طغيان
السياسي والاجتماعي للمماليك والعثمانيين ، وانتهاءً بمقاومة العدوان الإسرائيلي
الحديث على الأراضي العربية في 48 ، و56 ، و67، و73. ففي كل هذه الثورات والحروب
التحريرية التي شهدتها مصر عبر تاريخها الطويل كان الأقباط شركاء لإخوانهم
المسلمين ـ بكل ما في الكلمة من معنى ـ حتى ولو كان المعتدي مسيحياً مثلهم. لقد
قاوم المصريون ـ بلا تمييز ـ الاحتلال البريطاني في ثورات عرابي و1919م و1952م رغم
كون الإنجليز مسيحيين مثلهم مثل الأقباط. دون أن يشعر القبط بأي حرج لأنهم يدافعون
عن وحدة التراب الذي يشتركون في امتلاكه مع المسلمين. أمنوا بوحدة الدم المصري ،
ووحدة التراب ، وأنهم شركاء في إدارته مع المسلمين ، لذلك نحوا الدين جانباً ،
وغلبوا عليه حب الوطن . ومن ثم باءت نتيجة لذلك كل المحاولات التي بذلها الاحتلال
البريطاني لزرع الفتنة بين الطائفتين في مصر على ما يزيد من سبعين عاما.
وإن كنا ننسى فلا يمكن
أن ننسى دور عيس الغواص مع صلاح الدين وهو يحارب مسيحيين من ملته. ولا يمكن أن
ننسي دور فكري مكرم عبيد وغيره من القبط في ثورة 19 عندما تعانق الهلال مع الصليب.
إن الدماء التي سالت في الحروب المصرية الحديثة كانت دماء مختلطة، لا يمكننا أن
نفصل فيها بين دماء القبط ودماء المسلمين. وكل لوحات الشرف والنصب التذكارية التي
تخلد أسماء الشهداء المصرين في حرب 72 تضم أسماء الشهداء الأقباط جنباً إلي جنب
شهداء إخوانهم المسلمين لتكون أكبر شاهد على الوحدة المصرية الوطنية. سل رمال
سيناء، واستمع إلي صوت حصى أرض الفيروز يخبرانك أن الدماء التي سالت هناك كانت
دماء مصرية وليست مسلمة أو قبطية. كان بامكان القبط إعلان العصيان المدني في وقت
الاحتلال أو الحرب، طالما أنه سيتحالفون بذلك مع أبناء ملتهم ويستقوون بهم على
المسلمين، ويجنون من وراء هذا التحالف مكاسب عظيمة. ولكنهم هبوا ووقفوا وقفة رجل
واحد مع إخوانهم المسلمين في مقاومة هذا العدوان، لأنهم يؤمنون أنهم والمسلمين
يشتركون في امتلاك هذا التراب المغتصب، ومن ثم يتعين عليهم أن يضحوا في سبيل
تحريره بكل غالي ونفيس.
رابعا:
الثوابت الثقافية والتراثية:
كما تقوم الوحدة
الوطنية المصرية على ثوابت مترسخة في مقومات الشخصية المصرية نفسها. فالأقباط
والمسلمون يمتلكون بناءً ثقافياً وتراثياً واحداً، لم تستطع الديانة أن تغير فيه
إلا تغييراً سطحياً بسيطاً. لقد أبت البيئة المصرية إلا أن تترك بصمتها الثقافية
والفكرية على كل من يعيش على التراب المصري، وهذه عبقرية المكان في مصر، فهو الذي
يصبغ من يعيش عليه بصبغته، وليس من يعيش عليه هو الذي يصبغه بصبغته.
لقد تشربنا نحن جميعا
من الأرض التي نعيش فيها أسلوب التفكير المصري القديم. فهناك أفكار ومعتقدات
ثقافية وتراثية، وكذلك جوانب فلكلورية مشتركة بين عنصري الأمة في مصر لا يوجد
تفسير لها من الدين سوى أنها ترتد إلي الموروث الثقافي المصري الواحد. ولنضرب
أمثلة فقط لهذا الميراث المصري المشترك:
1- فكلا من الأقباط والمسلمين يشتركان في مسألة
التبرك بالأولياء والصالحين، وفي إقامة الموالد والاحتفالات السنوية لهم ولذكراهم،
والتي تكاد تتكرر فيها نفس الطقوس الاحتفالية عند الطائفتين تكراراً عجيباً، إن دل
على شيء فإنما يدل على أن مصدرها واحد هو البيئة المحيطة وليس الدين.
2- يشترك كل من الأقباط
والمسلمون في الإيمان بأن لبعض الأماكن ولبعض الحصى والرمال والأحجار بركة وقوى
روحية عظيمة فيذهبون إليها للتبرك بها ، والتوسل بها لرفع ما يعانون به من آلام
وحرمان، فنجد المرأة العاقر تزور مثلا هذه الأماكن التماساً للحمل بغض النظر إن
كانت تخص المسلمين أم الأقباط.
3- يشترك كل من عنصري
الأمة في الاعتقاد في مباركية رجال الدين والأطهار المقربين فيلجئون إليهم
استنجاداً بهذه القدرات المباركة لرفع ما بهم من بلاء، أو للتوفيق فيما يأملون
بلوغه من غايات. فنجد المسلمين مثلا لا يجدون حرجاً دينياً في الذهاب إلي القساوسة
والرهبان لطرد الأرواح الشريرة والجان من أجسادهم المسكونة، أو لفك المربوط منهم.
والأمر بالمثل لدي القبط لا يشعرون بأدنى غضاضة دينية في اللجوء إلي رجال الدين
الإسلامي والصالحين للغرض نفسه.
4- يشترك عنصرا الأمة
المصرية كذلك في الإيمان بأن لدور العبادة قدسية وحرمة أيا كان نوعها أو الملة
التي تُعبد فيها. ومن ثم فلا يجوز الاعتداء عليها أو انتهاك حرمتها أيا كانت
المبررات والأسباب حتى ولو كانت ملاحقة مجرمين وخارجين على القانون لجئوا إلي
حماها.
5- يشترك الأقباط
والمسلمون في امتلاك موروث فلكلوري وثقافي واحد متمثلاً في الطقوس التي يتم
ممارستها في الأفراح والجنائز وأعياد الميلاد وغير ذلك من المناسبات الاجتماعية
المختلفة. إننا نجدهم يطلقون الزغاريد ويرددون نفس الأغاني الفلكلورية ويتبادلون
نفس الدعوات، ونجدهم في المأتم يشتركون في إقامة ليلة الأربعين على روح الميت وهي
بدعة لم ترد في التعاليم الدينية لكلا الديانتين. كما أن الأرامل من الأقباط
والمسلمين يلتزمن بارتداء السواد طيلة حياتهن بعد رحيل أزواجهن مهما امتد بهن
العمر.
6- يشترك الأقباط
والمسلمون في الإيمان بقوة الحسد والعين وتأثيرهما القوي على أمور حياتهم، فنجدهم
يضعون في بيوتهم الرقي والتعاويذ (الخرزة الزرقاء ، خمسة وخميسه .. الخ) وغيرها من
الموروث الشعبي الذي يستعين به المصري القديم لخزي عين الحسود وردها خائبة.
7- نتذوق نحن جميعاً
الفن والدراما المصرية على الشاشتين الصغيرة والكبيرة ، وكذلك الأغاني الجميلة دون
تفرقة أو تأثر في الحكم بديانة من يؤديها. فلا يوجد عندنا أي نوع من الحساسية
الدينية في تذوقنا للفن الجميل. إننا لم ولن نشاهد تفرقة بين دراما تخص المسلمين
وأخرى تخص الأقباط، وإنما كلها دراما مصرية مهمومة بهموم الوطن والمواطن بصرف
النظر عن ملته ودينه، يمثلها المصريون جميعاً، ويتذوقها أيضا المصريون
جميعاً.
لا وجود حقيقي للفتنة الطائفية في مصر لأننا
جميعا نمتلك ماضياً واحداً، وحاضراً واحداً ومستقبلاً واحداً. ومن ثم فإما التلاحم
والتآزر معاً للدفاع عن وحدتنا الوطنية في وجه كل مغرض حاقد لا تهمه المصلحة
العامة، بل تحركه الأغراض والأطماع الشخصية الدنيوية، وإما فإن البديل الوحيد
الباقي هو الدمار التام لكلا الطرفين.
إن النتيجة المنطقية لكل ما سبق هي أن الوحدة
الوطنية المصرية تقوم على ثوابت قوية لا يمكن أن تهتز أو تُقتلع من جذورها مهما
كانت العواصف التي تهب عليها. إن من يزعم أن هناك فتنة طائفية في مصر، أو حتى أن
هناك بذوراً لها لا يخرج عن اثنين: إما جاهلاً لا يعرف مقومات الشخصية المصرية
الحقيقية، وإما مغرض موتور يسعى وراء المكاسب الشخصية ، وتلقى الأموال من جهات
أجنبية يهمها زعزعة الاستقرار في مصر لأغراض لا تخفى على كل لبيب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق