مَن هم أهل السنَّة
والجماعــــة؟!
(إنَّ
الانسان مخيَّر فيما يعلم، مسيَّر فيما لا يعلم ..
أيْ أنه يزداد حرية كلما ازداد علما)
الشيخ/ محمد الغزالي؛"
منذ
عهدٍ بعيد؛ اختدم الجدال على أشدِّه حول مفهوم (أهل السنَّة والجماعة)!
ومَن هم على وجه التحديد؟ وما هي معتقداتهم؟ وهل يعيشون في أوطان بعينها؟ وهل
مصطلح (أهل السنَّة) حِكر على فئة بعينها لا ينازعهم فيه أحد؟ وهل لهذا المصطلح
دلالات سياسية؟ وهل هو مقيّد بعوامل تاريخية وجغرافية؟ لاسيما أنَّ هناك عشرات
الفِرق المتهافتة، والجماعات المتناحرة تزعم أنها تنتسب لأهل السنَّة والجماعة،
وكلها تدَّعي وصلاً لليلى .. وليلى لا تقرُّ لهم وصالا.!
لابدَّ أنْ نعلم أنَّ مذهب أهل السنَّة
والجماعة؛ نشأ مذهباً كلاميًا، وليس مذهباً فقهيا. وكان إمام المذهب ومؤسسه؛
الإمام/ أبو الحسن الأشعري –رحمه الله- وعندما انشقَّ عنه (واصل بن عطاء) وجماعة
من أصحابه؛ تسمَّوا بــــ(المعتزلة).
قال الزبيدي في الإتحاف: «إذا أُطلِقَ (أهل
السنَّة والجماعة) فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية».
وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: «المراد
بالسنَّة ما عليه إماما أهل السنَّة والجماعة: الشيخ أبو الحسن الأشعري، وأبو
منصور الماتريدي».
وقال
ابن عساكر في التبيين: «مذهب أهل السنَّة والجماعة؛ الذي عليه أكثر العلماء في
جميع الأقطار، وأئمة الأمصار في سائر الأعصار يدعون إليه»
وبناءً على رأي ابن عساكر، وبنظرة موضوعية إلى
مختلف الأعصار والأمصار؛ سنجد أنَّ "مذهب أهل السنَّة والجماعة" هو
(مذهب الأشاعرة) فقد انتسب إليه آلاف، بلْ ملايين الأئمة والدعاة والمفكرين
والعلماء من مختلف التخصصات العلمية، فعلى سبيل المثال، لا الحصر:
منهم السادة الأوائل، والعلماء الأكابر،
أمثال: القاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو إسحاق الشيرازي، وأبو حامد الغزالي، وأبو
إسحاق الإسفراييني، والإمام/ الجويني، والفخر الرازي.
ومنهم
أعلام المفسرين، كالقرطبي، وابن كثير، وابن عطية الأندلسي، وأبو حيان
الأندلسي، وفخر الدين الرازي، والبغوي، والواحدي أبو الحسن علي النيسابوري، وابن
عجيبة، والسمين الحلبي، وجلال الدين السيوطي، والخطيب الشربيني، ومحمد الطاهر بن
عاشور، ومحمد متولي الشعراوي، ومحمد الغزالي.
ومنهم
أعلام الحفّاظ والمحدِّثين، أمثال: أبو الحسن الدارقطني، أبو نعيم
الأصبهاني، أبو ذر الهروي عبد بن أحمد، الحاكم النيسابوري، ابن حبان البستي، أبو
سعد ابن السمعاني، أبو بكر البيهقي، ابن عساكر، الخطيب البغدادي، الإمام/ النووي،
صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، أبو عمرو بن الصلاح، ابن أبي جمرة الأندلسي،
الكرماني شمس الدين محمد بن يوسف، المنذري، الأبي، ابن حجر العسقلاني، السخاوي،
السيوطي، القسطلاني، المناوي.
ومنهم
كتّاب السيرة، أمثال: القاضي عياض، الحلبي، السهيلي الصالحي -صاحب سبل
الهدى والرشاد، تلميذ السيوطي الذي يعد من كبار علماء الأشاعرة.
ومنهم القادة والمجاهدين، أمثال: نور
الدين زنكي، صلاح الدين الأيوبي، قطز، عبد القادر الجزائري، عمر المختار، عز الدين
القسام، محمد الدغباجي، وغيرهم.
ومنهم
.. ومنهم .. ومنهم سائر العلماء الذين ملأوا أطباق الأرض علماً .. حتى لا يتبقَّى
سوى قلة قليلة؛ لا أثر لها ولا عين، ولا وزن لكتاباتهم المتهافتة .. بل هي صدى،
وردود فعل متشنجة؛ ضرها أكبر من نفعها، بحسب أنها أشعلت نيراناً لم تنطفئ! وهم: أهل الأثر، أوْ أهل الحديث. أوْ ما
نسمِّيهم في هذا العصر بـ(السلفية،
والسلفيين)! يطلِقون على أنفسهم: (أهل السنَّة والجماعة)! ويحاولون حِكر هذا
المفهوم على أنفسهم، رافضين غيرهم أن يشتركوا معهم في التسمية من قريب أو بعيد!
بلْ يبلغ بهم التعصب مبلغه في هذا الصدد، إلى حد الاقتتال!
*
* *
هذا ما استقرَّ
عليه ضمير الأمة في العصور الأول. لكن ابن تيمية (661-
728هـ) الذي تخرَّج في المدارس الحنبلية، ودرَس في كَنَف أبيه، وقد شاهد السِّجال
المحتدِم بين "الأشاعرة" و"الحنابلة"، فأراد أنْ ينتصر للمذهب
الذي ورثه عن أسرته! لاسيما أنه –رحمه الله- كان ينقِم على (الأشاعرة) شهرتهم، ومكانتهم
لدى جماهير الأمة؛ إذْ كانوا يسدُّون الأفق بمؤلفاتهم، ويملئون الدنيا بعلومهم،
وتسير خلفهم الجماهير الغفيرة!
لقد افتأتَ (ابن
تيمية) على الأمَّة، وشذَّ عما هو متعارف عليه، وذهب إلى أنَّ أهل السنَّة؛ هم
(الحنابلة) فقط! وفي سبيل ذلك؛ أجهد نفسه في البحث، حتى أجهد البحث ذاته، ليجد له
سنداً يعضِّد رأيه، ويؤيد حجته، فلم يجد دليلاً يبرهن به على صحة رأيه، ولم يجد له
ناصراً ولا خليلاً يؤازره ... فصبَّ جام غضبه على علماء عصره، ومن سبقهم من
العصور! وراح يتهمهم في عقائدهم وآرائهم، ونصَّبَ نفسه حكماً عليهم .. فأشعل نيران
المذاهب، وأوقد الحرائق، وأيقظ الفتن النائمة، وحوَّل عصره إلى جحيم؛ اكتوتْ به
الأمة كلها، ومازالت تصطلي بلهيبه!
من أسف؛ لازال المغفلون من الأعراب، يرددون أخطاء ابن تيمية
القديمة، ويتعبدون بها، ومزقوا الأمة، وحولوها إلى فِرق وجماعات متناحرة بين سلف وخلف،
وأهل السنَّة، وأهل الحديث!
وقد نسوا أوْ
تناسوا أنَّ ابن تيمية تراجع في أخريات حياته عن آرائه الشاذة، وأدرك أنَّ
الأشاعرة هم أعلم الناس بالدين، وأكثرهم اتباعاً وموافقة للكتاب والسنَّة، وقال:
"كان الإمام/ الأشعري من أعرف المتكلمين المصنِّفين في الاختلاف, وكان أصحابه
أمثال القاضي أبي بكر وابن فورك وأبي إسحاق وأبي المعالي والشهرستاني, أكثر غيرة
على الدين من جميع الفرق الأخرى، ولذلك سار الناس خلفهم، واقتدوا بهم؛ لِما عرفوه
من نصرتهم للشريعة".منهاج السنة(15|195).
أخيـــــــراً؛
فهل بقي كلام بعد كلام الشيخ؟ أمْ مازال القوم في غيِّهم يعمهون؟!
j
0 التعليقات:
إرسال تعليق