الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

معوقات في طريق المصالحة الوطنية


«معوقات في طريق المصالحة الوطنية»
بعد عزل الرئيس محمد مرسي اندلعت الكثير من الاحتجاجات والمظاهرات وأقيمت الاعتصامات، تخللها كثير من انتهاكات على الممتلكات العامة والخاصة، وكان لها أثرها في سقوط الكثير من الضحايا، واستمر الحال أكثر من أربعين يوما بعدها اضطرت الحكومة المصرية إلى فض الاعتصامات وسقط ضحايا آخرون من المعتصمين ومن مفضي الاعتصام، ومنذ عزل الرئيس مرسي وحتى الآن تسعى الدولة جاهدة إلى الدعوة للمصالحة الوطنية، ورغم ذلك لم تنجح لوجود عوائق كثيرة،منها على مستوى الدولة ومنها على مستوى المجتمع.والجماعات الدينية.
أما على مستوى الدولة فتوجد قيود على بعض مسائل الحوار وموضوعاته، فالدولة هي الطرف الأقوى سلطاناً ومالاً ونفوذاً، ولذا يتم كبت المعارضة ولو كانت على حق في بعض ما تدعو إليه أو تطالب به، ومن ثم تفرض الدولة الحلول الأمنية بوصفها أسهل الحلول لديها، ولكن المعالجات الأمنية لا تحل المشكلات بل تؤجلها وتدفع إلى العمل السري المختفي عن أعين الدولة، ومن ثم تنشأ المشكلات التي تعاني المجتمعات المسلمة من ويلاتها حتى اليوم.
أما على المستوى الاجتماعي فنجد هذه القيود نفسها من الطرف الأقوى، على مستوى الأحزاب والجماعات والقبائل والأسر.. ثمة أنواع من الضغط وإهمال الحوار والتشاور والتفرد باتخاذ القرار، وهذا كله مخالف للمنهج الإسلامي في الحوار قرآناً وسنة.
أما على مستوى الجماعات الدينية التي تسمى" الأصولية " وهي الداعية صراحة إلى العودة إلى أصول الإسلام الصافية، مع اختلاف مناهجها في تحقيق تلك الدعوة، هذه الجماعات تتمسك بأصول ثابتة ترى فيها الحق كله ولا تبيح أو تقبل ما سواها، والنخب السياسية لدينا منفتحة على العالم بفعل الاحتكاك المباشر بغير المسلمين، وكثير من هذه النخب يرى التمسك بتلك الأصول التي تدعو إليها الجماعات الدينية، يرى ذلك عبئاً عليه، وقد يعرضه للمساءلة أمام الشعوب أو الاتهام بالأصولية من جانب غير المسلمين، وهي أمور تكرهها النخب السياسية لا ريب، ولهذا تترك هذه النخب معالجة المسألة برمتها - مسألة الصدام مع الجماعات الدينية - تتركها للمحور الأمني ليتعامل معها دون فتح حوار معها، وهو تعامل بتفويض مطلق ومسبق من النخبة السياسية بإطلاق يد الأمن في التعامل بدون حدود أو قوانين ضابطة، ومن ثم يقع الصدام والتناحر، إنها حلقة مفرغة كان من الممكن أن يكون للحوار دور في إصلاحها، ولكن ذلك لـمّا يحدثْ !
أضف إلى هذا أن الأطراف القوية في المعادلة عادة ما تفرض شروطاً مسبقة للحوار، مما يجهض عملية الحوار ابتداءً، ويخرج المسائل الجوهرية المراد النقاش حولها من دوائر الحوار. كما أن النخب السياسية قد ترى نفسها مشغولة بأمور كثيرة وواقعة تحت ضغوط دولية شديدة لا يشعر بها عامة الناس.
يا سادة إننا بحاجة إلى حوار جاد مع الذين لم يحملوا السلاح ولم يحرضوا على القتل من هؤلاء، أما الذين حملوا السلاح وخرجوا على الحكام فلهم شأن آخر وهو المثول أمام القضاء العادل والعاجل. 
أيها المسلمون: من المعلوم في القرآن والسنة أنه لم تكن ثمة موضوعات خارج نطاق الحوار أو التفكير الإنساني، فكل شيء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته بل خاصة أمره كان قابلاً للنقاش والحـوار، والسنة والسيرة النبوية مليئة بالأخبار. ومن أمثلة ذلك - وهو من أعجب ما نراه في السنة - هذا الحوار الداخلي بين الإنسان ونفسه، وهو - وإن كان فيه وسواس من الشيطان - فإنه حوار داخلي يبين بجلاء أنه ليس هنالك ممنوعات في الحوار ؛ لأن الحوار يظهر الحق جلياً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ " (رواه مسلم) هذا أخطر أمور الحياة كلها وجوهر الوجود: التوحيد، ومع ذلك فهو قابل للتساؤل والحوار لإظهار وجه الحق لا للاستمرار في الشك، والحوار حول التوحيد في القرآن كثير كما هو معلوم والحق في نفسه لا يضره النقاش حوله لأنه يزيده وضوحاً وبياناً، وإنما يخاف من ذلك ضعيف الحجة فاقد البيّنة، وإذا كان هذا في شأن العقيدة، فما ظننا بما هو أقل منها من مسائل الحياة والمصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ؟ لماذا نجد كل هذه الملفات المغلقة والمسكوت عنها في جوانب شتى من حياتنا الإسلامية المعاصرة؟
  هذا هو الإسلام وهذه حياتنا، والفلاح لا ريب سيكون بعرض حياتنا هذه على الإسلام وضبطها على موازين الشرع.
إن الأسس المشتركة لإجراء الحوار متوفرة لا ريب، وهي الأسس المكونة لحضارتنا العربية الإسلامية، لكن الرغبة الحقيقية في الحوار غير موجودة - فيما نظن.
إن مشكلات التطرف والإرهاب في مصر وفي كل البلاد العربية والإسلامية، يمكن معالجة كثير منها بالحوار الهادئ البناء المبني على الأسس المتفق عليها لثقافتنا، ولكن بين مَنْ ومَنْ يكون الحوار؟.

أليس من الأفضل إذاً أن نعود إلى أصولنا الحضارية نستمد منها مبادئ الخير الذي أكرمنا الله به ؟ ألم يأمرنا ربنا بالتحاور والتعارف ونبذ الخلاف والصراع ؟ ألم تكن تلك هي سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟
                                          د/عبدالوهاب القرش
                                         دكتوراه في العلوم الإسلامية



0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
;