«الدعاة إلى الله..وفتاوى الكيل بمكيالين»
من يقرأ كتب السير
والتراجم للدعاة والعلماء والمفكرين ذوي الاهتمامات المتعددة العاملين في حقل
الدعوة الإسلامية في الماضي، يلاحظ دونما تعمق أو إجهاد ذهن شيئا يطبعهم بطابع
موحد، وهو ابتعادهم عن " الانتمائية " - اللهم إلا الانتماء إلى الإسلام
الذي يؤمنون به ، ويدعون إليه على بصيرة – فهم " حق مشاع " لكل الناس؛
لإن الإسلام الذي يدعون إليه دين ارتضاه الله رب العالمين لكل الناس، وهم دعاة
المجتمع البشري على اختلاف الأجناس والألوان، وطبقات والقطاعات،لا دعاة طبقة دون
أخرى أو نوع من الناس دون آخر..كان الناس يجلسون إليه فيستمعون منه من تعاليم
الكتاب والسنة وإرشادات الإسلام ما يسيغه العقل وينجذب إليه القلب توا، لكونه
مجردا عن طابع الانتمائية أو الحزبية التي لا تدع الناس حتى توزعهم في طبقات
وتصنفهم في أسر.
أما داعاة اليوم -
إلا من رحم ربك – فهم ذو انتمائية أو حزبية أو جماعية، فهم ليس بداعاة للناس
جميعا، ولكن داعاة لكيانات لها سياسة خاصة ، ودعاة هذه الكيانات لا تدعو إلى
الإسلام الصافي النقي كما نعرفه، لكنهم كأنما يلقون الإيمان أولا بأفكار وتصورات
أوحت له بها هذه الكيانات التي التي يعمل لديها، وهي كيانات ملتوية لم يستقم فهمها
للدين، تدعي أنها تسعى لتحرير الشعوب العربية من استبداد حكامها في الوقت الذي تضع
– بكامل إرادتها - أرضها وسياستها ومقدراتها وشعبها في أغلال وأصفاد السياسة
الأجنبية، ألم يقرأ دعاة القوم قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم) [المائدة:51]. إن مثل هؤلاء إيمانهم
مهزوز الجذور فقد والوا غير المسلمين وطلبوا من عندهم العزة والمنعة، ومن يطلب
العزة من غير الله يذله الله!!.
والدعاة الذين يسلكون
هذا المسلك دائما ما يتخبطون في فتاويهم فنرى بعضهم يحلل ما حرم الله فيفتى بإستشهاد
من قتل نفسه حرقا بالنار، مخالفا قول النبي صلى الله عليه وسلم :" من قتل
نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة " [رواه أبو عَوانة في مستخرجه]. وقوله
صلى الله عليه وسلم:" من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في بطنه
في نار جهنم خالداً مخلدا فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار
جهنم خالداً مخلداُ فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم
خالداً مخلدا فيها أبدا " [أخرجه مسلم]!!.
ويتخبط هؤلاء الدعاة
كثيرا في فتاويهم السياسية والاجتماعية، فيفتى بعضهم بتحريم الدخول في الإنتخابات لأنها
غير شرعية، ولم تمر أيام قليلة ويرشح أحد أصدقاء أحد هؤلاء الدعاة نفسه في نفس هذه
الانتخابات المصرية، ومجددا تصدر – من خلال هؤلاء الدعاة - فتوى عكس السابقة تماما
تقضي بوجوب المشاركة في الانتخابات، بل جعلها " شهادة واجبة " يأثم
كاتمها، مع العلم أن هذا المرشح كان قد أنشق عن الجماعة التي ينتمي إليها هؤلاء الداعاة،
ولما جانب التوفيق هذا المرشح، ونجح مرشح جماعته في الانتخابات، فرحوا وهللوا ونسوا
تماما بأنهم – على أحد مواقعهم الالكترونية- قد شبهوا قادة هذه الجماعة - بما فيهم
المرشح الفائز – بأنهم كالنطيحة والمتردية وغير ذلك من أوصاف!!.
ونرى أحدهم يفتي
بالخروج على الحكام منذ بدأت اشتعال الثورات العربية بل كان يستعدي الغرب وأمريكا
بالخصوص،على الدول العربية فرأينا ذلك مع حاكم ليبيا وما حاكم سوريا،لقد مات من
المسلمين مايربوا عن مئتي ألف بسبب فتاويه المضللة، والشيء الذي يطير العقل أن
الشعب المصري عندما خرج على حاكمه السابق،أفتى بحرمة الخروج عن الحاكم المسلم،
واستعدى العالم من شرقه وغربه على شعب مصرالذي - للأسف – ينتمي إليه!!.
حرام على مثل هذا
النفر من الدعاة الذين يقودون سفينة الأمة فكريا وعقديا وإصلاحيا وتوجيهيا أن
يكونوا أولي " انحيازية " ممقوته لا يعرفها الإسلام، أو حزبية أو جماعية
ليس لها قيمة في ميزان الإسلام، وما عرفها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، أو
يتعصبوا لحزب ما أو جماعة ما عصبية منتنة ندد بها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.
ترى ماذا تجني الأمة
الإسلامية من مكسب مر، إذا كانت عقولها المفكرة وقلوبها النابضة – وهي طبقة الدعاة
والمفكرين – تتصف بضيق الصدر والأفق، ويدعو العالم منها إلى حزب أو جماعة أو أكثر
من أن يكون داعيا إلى الله وإلى الدين الإسلامي؟!!.
ونصيحتنا لدعاة هذا
العصر المائج بالخلافات والحواجز: لن يستطيع الداعية أن يؤدي دوره إلا إذا كان فوق
كل الانتماءات، حتى يكون الداعية مكتملا، ومحببا لدى كل الناس، وإلا فسيؤدي نشاطه
إلى نتائج عكسية في كثير من الجوانب تضر الأمة ولا تنفعها، وتفرقها ولا توحدها.
د/عبدالوهاب
القرش
دكتوراه في العلوم الإسلامية