احذروا العقول المستعمَرة!
(إنَّ كل تديُّن
يجافي العلم، ويخاصم الفكر، ويرفض عقد صلحٍ شريفٍ مع الحياة؛
هو تديُّن فقد صلاحيته للبقاء!) الشيخ/
محمد الغزالي؛
تشيع في
الأوساط السلفية، والزوايا السلفية، والسهرات السلفية، والكتب السلفية، والفضائيات
السلفية؛ كثير من القصص التافهة، والحكايات العبيطة، والروايات المتناقضة؛ التي
تتماهى مع تلك العقول المستعمَرة أوْ المستأجَرة!
أجلْ! هناك
أطنان وقناطير مقنطرة من المرويات الساذجة التي توافق العقل السقيم! وتتصادم مع
العقل السليم، كما تتصادم مع الوحي الكريم، مثل: قصة سِحر النبيّ، وقصة سم النبيّ،
وقصة رهن درع النبيّ، وقصة "الشيخ النجدي" الذي اجتمع بكفار قريش في دار
الندوة، وغير ذلك من الحكايات الغريبة التي ظلت تتسربل، وتتنقل في بطون الكتب من
عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، حتى نالت حظاً واسعاً من القداسة!
ولعلَّ قصة
(الغرانيق) أبرز دليل على ذلك!! ولا أحد يدري كيف تروج مثل هذه الأباطيل؟!
لكن العقل
السلفي– من أسف - آمن بأنَّ في القرآن كلاماً باطلاً، لكنه نُسِخَ مع ما نُسِخ!
مع أنَّ الحقّ –جلَّ جلاله- قال عن كتابه المجيد: (لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه).
وفي هذا؛ يقول
الشيخ: محمد الغزالي: هناك غش واسع قد تسلل إلى الثقافة الإسلامية، فنال من جوهرها
ومظهرها، فمثلاً؛ أكذوبة (الغرانيق) التي بسطها الطبري في صفحات، وأسهب في الحديث
عنها ابن اسحق، والتي أثبتها في سيرته النبوية الشيخ: محمد بن عبد الوهاب - مؤسس
الوهابية! هذه الأكذوبة مثل لاضطرابات فكرية وسياسية مبتوتة العلاقة بالدّين!
ولابدَّ أن ننحِّيها عن ديننا كما يُنحّى القذى عن الوجه الجميل.
* * *
إنَّ كتب
الحديث التي أنجزها الأوائل – رضي الله عنهم - ليست معصومة، ولا يستطع أحد أنْ يزعم
أنها لا ريب فيها .. بلْ فيها الضعيف والموضوع، كما فيها الصحيح والحسن!
فمثلاً؛ مسند أحمد؛ تضمن متوناً، لا يمكن قبولها، ومن
واجب العلماء أن ينبِّهوا إليها.
من أسباب الوضع: أن يضع الراوي حديثاً يدافع به عن
مهنته، وبواعثه النفسية، أو موطنه، مثال ذلك، ما أخرجه الحاكم عن سيف بن عمر
التميمي، أنه قال: كنا عند سعد بن طريف، فجاء ابنه من الكُتّاب يبكي، فقال: مالَك؟
فقال: ضربني المعلّم، فقال سعد: لأخذينَّهم اليوم. حدثني عكرمة عن ابن عباس
مرفوعاً: "معلِّمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المساكين"!
ومثل حديث "الهريسة تشدّ الظهْر" فإنَّ واضعه محمد بن الحجاج النخعي،
الذي كان يبيع الهريسة!
ومن ذلك، ما ذكره ابن الجوزي في كتابه المشهور
"الموضوعات" فلمْ يبالِ وهو حنبلي، أنْ يذكر عدداً من الأحاديث المكذوبة
التي جاءت في مسند الإمام أحمد، منها على سبيل المثال: روى الإمام أحمد عن أنس بن
مالك، قال: قال رسول اللهe: "عسقلان أحد العروسين، يبعث
منها يوم القيامة سبعون ألفاً لا حساب عليهم، ويُبعث منها خمسون ألفاً شهداء،
وفوداً إلى الله عزَّ وجل، وبها صفوف الشهداء، رءوسهم مقطعة في أيديهم، تثج
أوداجهم دماً، يقولون: ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك، إنك لا تخلف الميعاد. فيقول:
صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون منها نقياً بيضاً، فيسرحون في الجنة حيث
شاءوا).
العجيب أنَّ
"عسقلان" لم يدخلها الإسلام في عهد النبيّ. والغريب حقاً؛ أنَّ ابن حجر
العسقلاني دافع دفاعاً حاراً عن أمثال هذه الأحاديث محاولاً تصحيحها! وليس هذا
عليه بمستغرب؛ فهو الذي صحح حديث الغرانيق، وفتح به باب شر، لا يزال يدخل منه
الأفَّاكون، لينالوا منا.
* * *
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد إذا أنكر أحد العلماء رواية من الروايات
الشاذة، أو خبراً من الأخبار القديمة؟ لماذا قامت الدنيا على الشيخ/ الغزالي-
عندما طعن في صحة بعض المرويات التراثية المتهالكة؟
فهل إنكار الرواية يخرِج من المِلَّة؟ وماذا لوْ كانت
هذه الرواية تتصادم مع القرآن المجيد؟
إنَّ إنكار حديث أوْ
حديثيْن أو ثلاثة، وإنْ ثبتتْ في الصحاح، لا يعني بحال إنكار السنَّة بوصفها أصلاً
ثانياً، ومصدراً تالياً للقرآن. ولوْ صحَّ ذلك لأخرجنا أئمةً كِباراً مثل: أبي
حنيفة، ومالك من زمرة أهل السنَّة؛ لردهما أحاديث صحاحاً في العبادات أو المعاملات
لم تثبت عندهما. بلْ لوْ صحَّ ذلك لاتَّهمنا أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها،
لأنها ردَّتْ على بعض الصحابة أحاديث رووها وسمعوها بآذانهم من النبيّ؛ لأنها –في
رأيها- مخالِفة لِما جاء في القرآن؛ فاتهمتهم بأنهم لم يحسِنوا أنْ يسمعوا، أوْ
يحسنوا أن يحفظوا، وكثير من ذلك ما جاء في كتاب "الإجابة فيما استدركته
السيدة عائشة على الصحابة" للزركشي!
بلْ إن ابن
تيمية في كتابه "المسودَّة"؛ يرى أن من الصحابة من ردَّ بعض الأخبار
التي هي صحيحة عند أهل الحديث، فهذا هو قول الجمهور، ودعك من المتطفِّلين على
العلم، الذين يكفِّرون العلماء بلا دليل، ويقولون على الله ما لا يعلمون ... ولا
أريدُ الاطالة في هذا الصدد؛ فقد ناقشناه بإسهاب في كتابنا (أزمة العقل السلفي)!
بقلم/
القوصِـــــــــي؛
j