«عودوا لرشدكم يامن تدعون أنكم من أمة محمد!!»
إن ما يحدث من تفجيرات
في مصر والعراق وليبيا وغيرهم من الدول العربية - وقاها ربُّها شرور المفسدين -،
وما يرافقه من قتل لجنود وأناس الأبرياء وزعزعة الأمن والاستقرار وتخريب الممتلكات
العامة والخاصة، هو نتيجةٌ لإغواء الشيطان وتزيينه الإفراط والغلو لمن يتبنون هذه
العمليات، وهذا الذي يحدث من أقبح ما يكون في الإجرام والإفساد في الأرض، وأقبح
منه : أن يزين الشيطان لِمَن قام به أنَّه من الجهاد، وبأيِّ عقل ودين يكون جهاداً
قتلُ النفس وتقتيل المسلمين وترويع الآمنين وترميل النساء وتيتيم الأطفال وتدمير
المباني على مَنْ فيها؟!
إن الغلو في الدين والتكفير،
من الأمراض الفتاكة سريعة العدوى، ونتائجهما مدمرة وعاجلة، وآثارهما تفسد الدنيا
والدين، وتهلك الحرث والنسل. العجيب أن يدعي أصحاب الغلو والتكفير إلى إعلان
الجهاد في مصر بلد الأزهر الذي صدر العلوم الشرعية لكل بلاد الإسلام وعلى رأسها
البلد الذي نزل فيه القرآن، وأوهموا الأغرار من حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام، بأن
مصر في ردة، وأن علماءها مداهنون وعملاء وكفار! فاستحلوا الدماء المعصومة غدرا
بالقنص والتفجير باسم الجهاد ، ولم يعد الأمر مسألة فتاوى من خلايا سرية، لكنها
تجاوزت إلى استنفار الغوغاء والدهماء والأغرار للإفساد في مصر، وكل ذلك باسم
الجهاد!
إن الشيطان يدخل إلى
أهل العبادة لإفساد دينهم من باب الإفراط والغلو في الدِّين، قال صلى الله عليه
وسلم:" إيَّاكم والغلوَّ في الدِّين؛ فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بالغلوِّ في
الدِّين "[رواه النَّسائي]. ومن المعلوم أن شريعة الإسلام قد جاءت بحفظ
الضروريات الخمس وحرمت الاعتداء عليها وهى الدين والنفس والمال والعرض والعقل .
ولا يختلف المسلمون
في تحريم الاعتداء على النفس المعصومة، والنفس المعصومة في الإسلام إما أن تكون مسلمة
فلا يجوز بحال الاعتداء عليها وقتلها بغير حق، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من
كبائر الذنوب العظام، يقول الله تعالى:(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً
فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء : 93]، ويقول سبحانه:(مِنْ أَجْلِ
ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ
نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة : 32 ].
ويقول نبي الرحمة صلى
الله عليه وسلم :" لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول
الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك
للجماعة " [أخرجه البخاري]. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال:" لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم "[أخرجه
النسائي] .
كل هذه الأدلة - وغيرها
كثير- تدل على عظم حرمة دم المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب إلا ما دلت عليه
النصوص الشرعية فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق .
يقول أسامة بن زيد
رضي الله عنهما :" بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا
القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه؛ قال: لا اله
إلا الله، فكفَّ الأنصاري؛ فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله
عليه وسلم؛ فقال يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله ، قلت: كان متعوذاً،
فما زال يكررها؛ حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم"(أخرجه البخاري).
وهذا دليل على عظم
حرمة الدماء، فهذا رجل مشرك، وهم مجاهدون في ساحة القتال، لما ظفروا به وتمكنوا
منه؛ نطق بالتوحيد، فتأول أسامة رضي الله عنه قتله على أنه ما قالها إلا ليكفوا عن
قتله، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله، وهذا من أعظم ما يدل على
حرمة دماء المسلمين وعظيم جرم من يتعرض لها .
وكما أن دماء
المسلمين محرمة فأن أموالهم محرمة بقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن
دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "[أخرجه
مسلم].
وبذلك يتبين تحريم
قتل النفس المعصومة بغير حق، ومن الأنفس المعصومة في الإسلام : أنفس المعاهدين،
وأهل الذمة، والمستأمنين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :" من قتل معاهداً لم يَرِحْ رائحة الجنة وان ريحها
توجد من مسيرة أربعين عاماً " [أخرجه البخاري].
ومن أدخله ولى الأمر
المسلم بعقد أمان وعهد؛ فان نفسه وماله معصوم، لا يجوز التعرض له، ومن قتله فانه
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لم يرح رائحة الجنة " وهذا وعيد
شديد لمن تعرض للمعاهدين.
ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة، يقول النبي
صلى الله عليه وسلم :" المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ". ولما
أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلاً مشركاً عام الفتح وأراد علي بن أبى طالب رضي
الله عنه أن يقتله؛ ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال صلى الله عليه
وسلم :" قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ " [أخرجه البخاري ومسلم].
والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولى الأمر لمصلحة رآها؛ فلا يجوز التعرض
له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله .
وعلى هذا، فأن ما يقع
في مصر من حوادث التفجير أمر محرم لا يقره الإسلام، وتحريمه جاء من أربعة وجوه :أولها:
أن هذا العمل اعتداء على حرمة بلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها، وثانيها:أن فيه
قتلاً للنفس المعصومة في شريعة الإسلام، وثالثها:أن هذا من الإفساد في الأرض، ورابعها:أن
فيه إتلافا للأموال المعصومة .
وما قام به من نفذوا
هذه العمليات من قتل أنفسهم بتفجيرها؛ فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه
وسلم :" من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة " [رواه أبو
عَوانة في مستخرجه]. وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال:" من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في بطنه في نار جهنم
خالداً مخلدا فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً
مخلداُ فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلدا
فيها أبدا " [أخرجه مسلم].
ثم ليعلم الجميع أن
الأمة الإسلامية والعربية عامة ومصر خاصة اليوم تعانى من تسلط الأعداء عليها من كل
جانب، وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام، وإذلالهم
واستغلال خيراتهم، فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغراً
لهم؛ فقد أعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم، وهذا من أعظم الجرم .
إن ماحدث في العراق
بالأمس وسوريا وليبيا اليوم لهو جرس إنذار لكل العرب عامة والمصريين خاصة،
وستذكرون ما أقول لكم، وحسبي أني ناصح أمين، ولم أتفرد بما كتبته بشيء لكني حاولت
قدر استطاعتي عرض ما هو معلوم من قواعد الدين وثوابته.
د/عبدالوهاب
القرش
دكتوراه
في العلوم الإسلامية