الأحد، 8 سبتمبر 2013 1 التعليقات

«عودوا لرشدكم يامن تدعون أنكم من أمة محمد!!»


«عودوا لرشدكم يامن تدعون أنكم من أمة محمد!!»
إن ما يحدث من تفجيرات في مصر والعراق وليبيا وغيرهم من الدول العربية - وقاها ربُّها شرور المفسدين -، وما يرافقه من قتل لجنود وأناس الأبرياء وزعزعة الأمن والاستقرار وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، هو نتيجةٌ لإغواء الشيطان وتزيينه الإفراط والغلو لمن يتبنون هذه العمليات، وهذا الذي يحدث من أقبح ما يكون في الإجرام والإفساد في الأرض، وأقبح منه : أن يزين الشيطان لِمَن قام به أنَّه من الجهاد، وبأيِّ عقل ودين يكون جهاداً قتلُ النفس وتقتيل المسلمين وترويع الآمنين وترميل النساء وتيتيم الأطفال وتدمير المباني على مَنْ فيها؟!
إن الغلو في الدين والتكفير، من الأمراض الفتاكة سريعة العدوى، ونتائجهما مدمرة وعاجلة، وآثارهما تفسد الدنيا والدين، وتهلك الحرث والنسل. العجيب أن يدعي أصحاب الغلو والتكفير إلى إعلان الجهاد في مصر بلد الأزهر الذي صدر العلوم الشرعية لكل بلاد الإسلام وعلى رأسها البلد الذي نزل فيه القرآن، وأوهموا الأغرار من حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام، بأن مصر في ردة، وأن علماءها مداهنون وعملاء وكفار! فاستحلوا الدماء المعصومة غدرا بالقنص والتفجير باسم الجهاد ، ولم يعد الأمر مسألة فتاوى من خلايا سرية، لكنها تجاوزت إلى استنفار الغوغاء والدهماء والأغرار للإفساد في مصر، وكل ذلك باسم الجهاد!
إن الشيطان يدخل إلى أهل العبادة لإفساد دينهم من باب الإفراط والغلو في الدِّين، قال صلى الله عليه وسلم:" إيَّاكم والغلوَّ في الدِّين؛ فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بالغلوِّ في الدِّين "[رواه النَّسائي]. ومن المعلوم أن شريعة الإسلام قد جاءت بحفظ الضروريات الخمس وحرمت الاعتداء عليها وهى الدين والنفس والمال والعرض والعقل .
ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على النفس المعصومة، والنفس المعصومة في الإسلام إما أن تكون مسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء عليها وقتلها بغير حق، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام، يقول الله تعالى:(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء : 93]، ويقول سبحانه:(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة : 32 ].
ويقول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم :" لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة " [أخرجه البخاري]. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم "[أخرجه النسائي] .
كل هذه الأدلة - وغيرها كثير- تدل على عظم حرمة دم المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب إلا ما دلت عليه النصوص الشرعية فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق .
يقول أسامة بن زيد رضي الله عنهما :" بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه؛ قال: لا اله إلا الله، فكفَّ الأنصاري؛ فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله ، قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها؛ حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم"(أخرجه البخاري).
وهذا دليل على عظم حرمة الدماء، فهذا رجل مشرك، وهم مجاهدون في ساحة القتال، لما ظفروا به وتمكنوا منه؛ نطق بالتوحيد، فتأول أسامة رضي الله عنه قتله على أنه ما قالها إلا ليكفوا عن قتله، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله، وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين وعظيم جرم من يتعرض لها .
وكما أن دماء المسلمين محرمة فأن أموالهم محرمة بقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "[أخرجه مسلم].
وبذلك يتبين تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق، ومن الأنفس المعصومة في الإسلام : أنفس المعاهدين، وأهل الذمة، والمستأمنين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من قتل معاهداً لم يَرِحْ رائحة الجنة وان ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً " [أخرجه البخاري].
ومن أدخله ولى الأمر المسلم بعقد أمان وعهد؛ فان نفسه وماله معصوم، لا يجوز التعرض له، ومن قتله فانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لم يرح رائحة الجنة " وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين.
 ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ". ولما أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلاً مشركاً عام الفتح وأراد علي بن أبى طالب رضي الله عنه أن يقتله؛ ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال صلى الله عليه وسلم :" قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ " [أخرجه البخاري ومسلم]. والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولى الأمر لمصلحة رآها؛ فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله .
وعلى هذا، فأن ما يقع في مصر من حوادث التفجير أمر محرم لا يقره الإسلام، وتحريمه جاء من أربعة وجوه :أولها: أن هذا العمل اعتداء على حرمة بلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها، وثانيها:أن فيه قتلاً للنفس المعصومة في شريعة الإسلام، وثالثها:أن هذا من الإفساد في الأرض، ورابعها:أن فيه إتلافا للأموال المعصومة .
وما قام به من نفذوا هذه العمليات من قتل أنفسهم بتفجيرها؛ فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة " [رواه أبو عَوانة في مستخرجه]. وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلدا فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداُ فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلدا فيها أبدا " [أخرجه مسلم].
ثم ليعلم الجميع أن الأمة الإسلامية والعربية عامة ومصر خاصة اليوم تعانى من تسلط الأعداء عليها من كل جانب، وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام، وإذلالهم واستغلال خيراتهم، فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغراً لهم؛ فقد أعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم، وهذا من أعظم الجرم .

إن ماحدث في العراق بالأمس وسوريا وليبيا اليوم لهو جرس إنذار لكل العرب عامة والمصريين خاصة، وستذكرون ما أقول لكم، وحسبي أني ناصح أمين، ولم أتفرد بما كتبته بشيء لكني حاولت قدر استطاعتي عرض ما هو معلوم من قواعد الدين وثوابته.
                                                د/عبدالوهاب القرش
                                             دكتوراه في العلوم الإسلامية
السبت، 7 سبتمبر 2013 0 التعليقات

سلسلة (إنها مصر) "4"



أنبياء الله في مصر..هاجر عليهما السلام بنت المصريين القدماء
تمثل السيدة هاجر عليها السلام صورة ما كان عليه قومها المصريون القدماء من توحيد خالص وإيمان عميق، فكانت عليها السلام سيدة عظيمة ومهيبة ([1]) ونبيلة سليلة المجد، ونبتة أرض الإيمان، وكانت واحدة من الحرائر المصريات المؤمنات الموحدات اللاتي وقعن في أسر الهكسوس أولئك البدو الوثنيين الأجلاف، عبدة النجوم والكواكب والأصنام،وكانت عليها السلام من مدينة الفرما تقع على مقربة من عاصمة الهكسوس أواريس([2]).


تزوجت السيدة هاجر عليها السلام بسيدنا إبراهيم عليه السلام وعمرها أربعة عشر عاما([3])، وعندما حملت في نبي الله إسماعيل عليه السلام غارت([4]) منها ضرتها سارة – التي كانت عاقرا – فصبت عليها كل صنوف القهر والإذلال([5]).وتذكر التوراة أن هاجر كانت تشكو ذلتها إلى الله([6]) هكذا قالت التوراة.
إذن لم تشكو السيدة هاجر بنت المصريين القدماء إلى الآلهة، ولم تلجأ إلى صنم، وأنما التجأت في شكواها إلى الله الواحد الأحد..وليس ذلك من تأثير زواجها من نبي الله إبراهيم عليه السلام..فكم من زوجات أنبياء كن كافرات وثنيات، مثل زوجة نوح عليه السلام، وزوجة لوط عليه السلام، يقول تعالى: {..ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ }(التحريم:10).
 إذن لو لم يكن الإيمان متأصلا في نفسها، وضاربا بجذوره في أعماق قلبها من الأصل، ومنذ نشأتها الأولى في وسط أهلها من القدماء المصريين، ولو لم تكن قد نشأت على التوحيد، وتشربته ، لما كان هذا هو مسلكها.
وتذكر التوراة أن الله سبحانه وتعالى قد سمع لشكوى هذه المقهورة الصابرة :"للأن الرب قد سمع لمذلتك.."([7])..فأرسل أحد ملائكته ([8]) يواسيها ويعدها بحسن الجزاء من الله([9]). فأي شرف وأي تكريم بعد هذا؟
فاحتملت الصبية المصرية حتى ولدت إسماعيل عليه السلام، وعندئذ لم تلبث الغيرة أن دبت في قلب السيدة سارة، فأصبحت لا تطيق النظر إلى الغلام، ولا تحتمل رؤية هاجر،وطلبت من سيدنا إبراهيم أن يبعد عنها الطفل وأمه بحيث لا يصل صوتهما إلى سمعها ولا تقع عليهما عينيها.. ([10]).


وتمضي التوراة في استكمال أحداث قصة المصرية الصابرة وتقول:" فبكر إبراهيم صباحا، وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعا إياهما على كتفيها والولد،وصرفها.." ([11]).
ويواصل المؤرخون رواية ماحدث لحظة أن تركها إبراهيم عليه السلام – هي ووليدها – في الصحراء – بوادي غير ذي زرع – ثم استدار منصرفا:" فقالت هاجر: يا إبراهيم إلى من تكلنا؟.قال:إلى الله..قالت:إنطلق،فإنه لن يضيعنا.." ([12]).
" إنطلق .. فإنه لن يضيعنا.." هذا ما قالته هاجر عليها السلام تلك الصبية المصرية، فهل بعد هذا ثقة في الله وتوكل عليه..كلمات تخرج من هذه الشفاة المصرية دروسا وعبر.امرأة شابة – ومعها رضيعها – تترك وحيدة في صحراء قفراء لا زرع فيها ولا ماء تواجه كل احتمالات الموت البشع،عطشا وجوعا، أو افتراسا من وحوش القفار، أو بلدغة تعبان أو عقرب،أو حتى الموت رعبا عندما يجن عليه ليل الصحراء الموحش..وبرغم هذه الاحتمالات المرعبة، نراها عندما قال لها زوجها:"إن الله هو الذي أمره بذلك "([13]) نزلت السكينة على قلبها، وتفجر إيمانها العميق في كلمات تضرب أروع مثل في تاريخ البشرية للتوكل على الله والثقة المطلقة فيه اللانهائية..أين من يمكن أن يحل بهذا المحل، ويصل إلى هذه الدرجة الرفيعة من الإيمان والتوكل على الرحمن؟
وقد صدق ابن كثير عندما هذا الموقف كثيرا وتأمل فيما نطقت به هذه المصرية طويلا، ثم علق قائلا:"فحاطهما الله – أي هاجر وإسماعيل – بعنايته وكفايته، فنعم الحسيب والكافي والوكيل والكفيل..ولكن أين من يفتطن لهذا السر؟ وأين من يحل بهذا المحل؟ والمعنى لا يدركه ولا يحيط بعلمه إلا كل نبيه نبيل " ([14]).
ويواصل الطبري رواية ماحدث :"..حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى ، فانطلقت فوجد الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل فيه من أحد؟ فلم تر، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة، فقامت عليه ونظرت هل ترى من أحد؟ فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات"([15])..وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فذلك سعي الناس بينهما"([16]).


فلما أشرفت السيدة هاجر عليها السلام على المروة سمعت صوتا، فإذا هي بالملك - جبريل عليه السلام - عند موضع زمزم، فبحث بعقبه حتى ظهر الماء وجعلت هاجر تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف ([17]). وبعدما ارتوت جلست بجوار بئر زمزم حيث استقرت،وبذلك كانت هذه المصرية أول من أقام واستوطن في مكة.
ثم تصادف – بعد ذلك – جماعة من البدو، فرأو البئر – وللأبار أهمية قصوى في الصحراء – فاستأذنوا هاجر في الإقامة بجوارها، ثم استقدموا بعد ذلك باقي أفراد قبيلتهم، وهكذا تكاثر سكان المنطقة، فأنسوا وحشة هاجر ووليدها، وكانوا أول جيرانها([18]).


ووضع الله في قلوب أولئك البدو مودتها، فحاطوها برعايتهم هي وابنها..ثم امتد ذلك الود إلى ابنها سيدنا إسماعيل عليه السلام فيما بعد.يقول تعالى:{.. رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(إبراهيم:37).
هكذا نشأة المدينة المقدسة، فكانت هاجر عليه السلام السيدة المصرية نواتها الأولى وأول من سكنها واستطونها وإليها ولطفلها تفجر ماء زمزم .
مكانة فضائل بنت المصريين القدماء عند المسلمين:
السيدة هاجر عليها السلام أثيرة عند الله سبحانه وتعالى، وعزيزة على كل مسلم، فهي زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام، وأم نبي الله إسماعيل عليه السلام، وجدة رسول الإسلام نبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرها حفيدها في مجال التعظيم والتكريم، بل أوصى بإكرام كل أهل مصر إكراما لها، فعن ابن إسحق قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهما ذمة ورحما " قال ابن إسحق، فسألت الزهري: ما الرحم التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:كانت هاجر أم إسماعيل منهم.." ([19]).


كما أن السيدة هاجر من آل إبراهيم الذين يذكرهم كل مسلم في كل صلاة، وهي التي يجب أن يذكرها كل مسلم يؤدي فريضة الحج فليتذكر حين يدخل مكة أن أول من سكن مكة واستوطنها السيدة هاجر بنت القدماء المصريين.. وليتذكر حين ينظر إلى الكعبة أن أول مبشرة بإقامتها – من قبل أن تقام – وعرفت مكانها([20]) هي السيدة هاجر بنت القدماء المصريين.. وليتذكر وهو يسعى مهرولا بين الصفا والمروة أن ما يفعله هو محاكاة لما فعلته – لأول مرة – السيدة هاجر بنت لقدماء المصريين.. وليتذكر كل مسلم يشرب من ماء زمزم أن التي تفجر هذا البئر من أجلها هي السيدة هاجر بنت القدماء المصريين، وكانت أول من رأى ماء زمزم، وأول من اغترفت منه وشربت.
إسماعيل عليه السلام في أحضان المصريين القدماء:
لم يعايش إسماعيل أبيه إبراهيم عليهما السلام – الذي تركه في وادي مكة رضيعا ولم يكن يزوره إلا من حين إلى حين([21]).وبذلك نشأ سيدنا إسماعيل عليه السلام في أحضان أمه السيدة هاجر عليها السلام التي هي واحد من نساء المصريين القدماء، ثم لما كبر زوجته أمه واحدة من قومها من القدماء المصريين، حيث تقول التوراة:" وسكن في برية فاران..وأخذت له أمه له زوجة من أرض مصر"([22])، ومن هذه الزوجة المصرية أنجب سيدنا إسماعيل جميع أبنائه الاثنى عشر ([23]).
 

ولم تكن مصر في حياة سيدنا إسماعيل مثلة في الأم والزوجة،وإنما كان يتردد عليها على أرض مصر، ويذكر الكندي في كتابه(فضائل مصر):"دخل مصر من الأنبياء ثلاثين نبيا...منهم إلخ..وإسماعيل بن إبراهيم.." ([24]).وبذلك لم تكن صلة إسماعيل عليه السلام بمصر منقطعة، وإنما كان طيلة حياته في أحضانهم يحيطونه من كل جانب، فهم بالنسبة له: الأم والزوجة والأخوال – أخواله وأخوال أولاده – والأصهار والأصدقاء، فضلا عن أن هذا النبي – جد محمد صلى الله عليه وسلم – في عروقه دماء المصريين القدماء.
وبرغم هذه الروابط القوية بين سيدنا إسماعيل عليه السلام وبين المصريين القدماء، وبرغم أن هناك احتمالا كبيرا أن يكون ملما بلغتهم عن سواء عن طرق أمه أو زوجته أو زيارته، إلا أننا لا نجد في أي مصدر من المصادر – يهودية أو إسلامية – إي ذكر لتوجه سيدنا إسماعيل بدعوته التوحيدية إلى أي واحد من أولئك المصريين القدماء، وذلك لأنهم كانوا جميعا موحدين بالفعل.وإنما كانت دعوته عليه السلام موجهة إلى قبائل جرهم والعماليق التي وفدت إلى مكة،ويؤكد ذلك كثير من المؤرخين منهم ابن كثير:" وكان إسماعيل عليه السلام رسولا إلى أهل تلك الناحية وما والاها من قبائل جرهم والعماليق "([25]).


([1]) الثعلبي:العرائس،ص 47.
([2]) ابن إياس: بدائع الزهور،1/6.
([3]) المرجع السابق،1/80.
([4]) ابن كثير:قصص الأنبياء،1/205.
([5]) التوراة:سفر التكوين:16: 6.
([6]) التوراة:سفر التكوين:16: 13.
([7]) التوراة:سفر التكوين:16: 11.
([8]) عبد الوهاب النجار:قصص الأنبياء،94.
([9]) التوراة:سفر التكوين:16: 10-12.
([10]) أحمد شلبي:مقارنة الأديان،1/135-136.
([11]) التوراة:سفر التكوين:21.
([12]) الطبري: تاريخ الرسل والملوك،1/252.ابن كثير: قصص الأنبياء،1/208.الأزرقي: أخبار مكة،1/55.
([13]) ابن كثير: قصص الأنبياء،1/208.
([14]) المصدر السابق،1/294.
([15]) الطبري:تاريخ الرسل والملوك،1/252.
([16]) الأزرقي:أخبار مكة،1/55.
([17]) الطبري:تاريخ الرسل والملوك،1/252.عبدالوهاب النجار،قصص الأنبياء، ص105.
([18]) الطبري:تاريخ الرسل والملوك،1/256.الأزرقي:أخبار مكة،2/46.
([19]) الثعلبي:العرائس،ص47. الطبري:تاريخ الرسل والملوك،1/247.
([20]) يذكر الأزرقي :"قال ابن جريح: بلغنيأن جبريل عليه السلام حين هزم بعقبه في موضع زمزم قال لأم إسماعيل – وهو يشير إلى موضع البيت - : إعلمي أن إبراهيم وإسماعيل سيرفعانه للناس ويعمرانه..إلخ"الأزرقي:أخبار مكة1/56 وروى ابن كثير نفس القصة انظر:ققص الأنبياء،1/210.
([21]) عبد الوهاب النجار:قصص الأنبياء،ص 106.أحمد شلبي:مقارنة الأديان،1/136.
([22]) التوراة:سفر التكوين:21:31.
([23]) يقول يوسيفوس:" ولما بلغ الصبي إسماعيل مبلغ الرجال زوجته المصرية من قومها، فولدت له اثنى عشر ولدا" نقلا عن العقاد:إبراهيم أبو الأنبياء، ص102.
([24]) نقلا:عن ابن إياس:بدائع الزهور،1/29.
([25]) ابن كثير:قصص الأنبياء،1/296.وانظر:الطبري:تاريخ الرسل والملوك،1/314.الثعلبي:العرائس،ص59.
 
;